لم تكن السنة الاولى من دون رئيس للجمهورية صعبة، ولن تكون السنوات الاتية من الفراغ الرئاسي مستحيلة. لعل البلد بحاجة الى مثل هذه التجربة الفريدة، ولعل الخارج بحاجة الى مثل هذا الاهمال لشأن لبناني كان يشغل معظم عواصم العالم الكبرى، ويشعل اجراس الانذار في مختلف العواصم العربية.. فقط لان لبنان كان جبهة أمامية لحروب شتى.
في مثل هذه الايام من السنة الماضية، كان الخارج، العربي والاجنبي، قد حسم موقفه: لبنان ليس بذي شأن، ورئاسته ليست قضية جدية. لم يتقدم احد لوراثة الدور السوري في ادارة الجمهورية اللبنانية وفي صنع الرؤساء ( وفي تصفيتهم)، مع ان النداءات الصادرة من الداخل اللبناني اتخذت في بعض الاحيان شكل التوسل والاستجداء. كان صرف النظر الخارجي عن لبنان مبرراً ومفهوماً، برغم انه أحدث صدمة لدى عدد من المرشحين الرئاسيين.
وبناء عليه، تم التوصل الى الاستنتاج الاهم في السنة الاولى والذي لا يعترف به أحد من اللبنانيين علناً: لا رئاسة في لبنان قبل الرئاسة في سوريا. فالفراغ الرئاسي مشترك ومتبادل بين بيروت ودمشق. وهو ما سيجري التثبت منها عندما ستتم ازاحة الرئيس بشار الاسد، ويزاح معه حلفاؤه اللبنانيون الذين يعطلون انتخابات الرئاسة اللبنانية، لتنفتح الطريق على عملية اعادة تشكيل النظامين معاً، تماما كما حصل في مرات عديدة سابقة في تاريخ البلدين..مع ان التقديرات تستبعد هذه المرة الحفاظ على الكثير من الخصوصيات اللبنانية والسورية، التي كانت تبرر وجود دولتين !
حتى ذلك الحين، سيظل الحديث عن ملء الفراغ الرئاسي، أشبه بثرثرة صالونات ضجرة، تخفي حقيقة ثابتة هي ان السنة الاولى من دون رئيس لم تكن طويلة ومعقدة جدا، لان كانت مجرد إثبات على تهاوي المنصب الذي كان إمتيازاُ ، وتداعي الطائفة التي كانت تشغله، وتفكك العقد الذي كان يحميه. المعضلة الوحيدة هي انه لم يكن مجال لانتقال مركز السلطة من مكان الى آخر في الداخل، مثلما لم يكن هناك مجال لانتقال الوصاية من دمشق الى عاصمة أخرى.
الفرص التي لاحت لسد الفراغ بقرار داخلي كانت خيالية، لانها بنيت على وهم ان الطوائف طوت صفحة الحرب الاهلية، وان زعماءها نضجوا بما فيه الكفاية، وان جمهورها صار جاهزا للاحتكام الى مبدأ تداول السلطة والضغط من أجل احترام المهل الدستورية..ولانها استندت الى رهان على ان الطائفة المارونية التي دفعت الثمن الاكبر للحرب، استفادت من الدرس واستعدت للمستقبل بطريقة مختلفة عن استعدادات الطائفتين السنية والشيعية لدفع البلد نحو كارثة جديدة.
المعضلة مارونية أكثر من أي وقت مضى. وهي تفسح المجال امام السنة والشيعة لترف سياسي غير معهود. العنوان الابرز لتلك المعضلة هو ان المرشح الماروني "الاقوى"، اذا جاز استخدام هذا التعبير، هو ذاك الذي لا يطمئن بل يثير القلق من احتمال ان ينهي خطاب القسم ويتوجه الى دمشق للقاء بشار الاسد او الى طهران للقاء السيد علي خامنئي، او حتى الى صعدة للتعرف على الحركة الحوثية، التي يسمع عنها من الضاحية الجنوبية.. ليبدأ بعدها الرقص في شوارع بيروت على انغام داعش.
لكنها ليست مشكلة الموارنة او المسيحيين وحدهم. هي ايضا مشكلة المسلمين السنة والشيعة، الذين يشكل عجزهم عن التوافق على رئيس ماروني مصدر توتر دائم بينهم وسبباً إضافياً للاشتباك اليومي..في الوقت الذي يمكن ان تكون إعادة انتاج الدور المسيحي للجمهورية اللبنانية، خشبة خلاص وحيدة للبنانيين جميعاً من الطوفان الذي يقترب يوما بعد يوم من الحدود.
لكن رأي مجرد. لان الامور تسير في اتجاه ما هو أسوأ من الفراغ الرئاسي الذي سيدوم حتى تختار سوريا رئيسها الجديد.