إذا كان من المبكر التكهن بالمستقبل السياسي لسوريا إذ ان الحل يبدو لا زال بعيدا مع سقوط أكثر من 300 ألف قتيل واضعافهم من الجرحى وتهجير اكثر من نصف الشعب السوري في الداخل والخارج. إلا أن ذلك لا يحجب بعض الملاحظات التي يمكن قراءتها في المشهد السوري.
فاحتلال تنظيم الدولة الإسلامية داعش لمدينة تدمر الأثرية وإحكام القبضة على معبر الوليد وهو آخر معبر بري مع العراق. حيث وفرت له هذه الانتصارات السيطرة على نصف الأراضي السورية تقريبا ليضيفها إلى دولة الخلافة. فيما النصف الآخر بقي مناصفة على وجه التقريب بين نظام الرئيس بشار الأسد من جهة وبين جبهة النصرة ومعها مختلف الفصائل السورية المسلحة من جهة أخرى.
إلا ان انتصارات داعش والتقدم الذي حققته جبهة النصرة في أكثر من منطقة ومدينة في سوريا كجسر الشغور وإدلب وغيرهما لا يعني بالضرورة اقتراب نهاية النظام السوري.
سيما وأن أبواب الدعم لا زالت مفتوحة على مصراعيها من حلفائه الايرانيين والروس إضافة إلى مقاتلي حزب الله الذين يخوضون الحروب معه جنبا إلى جنب ضد مسلحي المعارضة وعلى رأسهم جبهة النصرة.
فالرئيس بشار الأسد لم يعد يعنيه أن تبقى سوريا موحدة وبالتالي لم يعد يهمه أن يبقى الرئيس لكل سوريا مع عجزه الواضح بإمكانية إستعادة اشلائها الممزقة. وعليه فلا بأس بدولة تمتد من العاصمة دمشق إلى المنطقه العلوية ويكون هو رئيسها إلى الأبد.
المعارضة السورية التي يطلق عليها بالمعتدلة فإنها حتى اليوم وبعد أربع سنوات من الحروب التي عمت مختلف المناطق السورية فإنها لا زالت تفتقد إلى البرنامج السياسي الذي يمكن أن يوحدها ويحدد استراتيجيتها والهدف من قتالها والحروب التي تخوضها. إضافة إلى أن تعدد وتنوع مصادر تمويلها يجعل ولائاتها موزعة على الدول الخارجية الداعمة لكل فصيل منها وبالتالي يجعلها أكثر انقساما ويزيدها تشرذما وتفرقة فيما بينها. لكن مع ذلك فإن الواقع السوري يفرض على هذه المعارضة أن تخوض معظم حروبها على محورين.
المحور الأول ضد قوات النظام. والمحور الآخر ضد تنظيم داعش. مما يبدو وكأن هذه الحروب ترسم معالم الحدود بين دولتين.
دولة الأسد ودولة داعش. بحيث أن كل دولة منهما تخوض حروبها لتوسيع دولتها على حساب المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة.
وليس خافيا أن هذه التطورات الميدانية تتسارع على الأراضي السورية على مرأى ومسمع العالم في ظل عجز دولي واضح عن التدخل لإنهاء المأساة السورية مع إصرار من إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على عدم المجازفة بدفع قوات برية للحد من التمزق السوري مكتفية ببعض الغارات الجوية المحدودة التي تفتقد إلى الحد الأدنى من التأثير الميداني على الأرض.