كان لبنان قويّاً في ضعفه ، هكذا قال عنه الكثيرون من أهل السياسة ، ورغم أنّها صفة مذمومة إلاّ أنّ اللبنانيين لطالما تغنوا بها ورفعوها إلى مقام الأرز .
وهو بذلك إستمر كدولة نقيضة لدول القوّة في المنطقة ، وضعفه أتاح للبنانيين فُرص أن يكونوا على هامش كبير من الحريات وعلى بحبوحة من الأمن والإحترام في العالم ، ونتيجة لذلك كان اللبناني استثناءً عربياً لا مثيل له في عين العرب والغرب معاً .
عندما فقد لبنان ضعفه وتحوّل إلى فدائي على أيادي المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية ، سقطت الدولة وإنتهت مرحلة الثراء اللبناني وتأسست دولة فلسطين وكان بعض ولاتها الأمناء العامين للعمل الوطني ، وعاش اللبنانيّون على قرع طبول القوّة في الفاكهاني وسقطوا ضحايا في حروب الزواريب .
جاء العدو الإسرائيلي وأخرج لبنان من فلسطينيته وحاول بناء لبنان على مسطرة الإحتلال ، لكنّه أخفق في ذلك ونجح في إعادة لبنان إلى الطائفية التي مزقته ولم تبق حجر عثرة إلا ووضعته في طريق بناء الدولة .
لم تكن المولودة الجديدة على يد قابلة الإحتلال الاّ جنيناً طبيعياً لمرحلة تستدعي الردّ على الإحتلال فكانت جبهة المقاومة الوطنية أولى إطلالات التعاطي الثوري مع الإحتلال وقد رافقها دور شعبي لأفواج المقاومة اللبنانية " أمل" كرّس مسؤولية الحركة عن الإحتلال ودفع بالمقاومة الإسلامية إلى البروز المحاصر بجملة ممنوعات ، ونتيجة لجهد جبّار إستطاعت أن تتصدر لائحة الأسماء المقاومة وأن تصبح وحدها في المواجهة التي أدّت إلى التحرير من جهة وإلى سيطرة المقاومة على السياسة المحلية من جهة ثانية ، لتصبح بعد هروب الجيش السوري قوّة لبنان الوحيدة ودون منازع ، ولأوّل مرة تتزعم لبنان قيادة حزبية واحدة إذ أنّ تعدد القوّة الحزبية في لبنان كان الرائج والسائد .
مع المقاومة لم تعد قوّة لبنان في ضعفه بل أصبحت في حزبه الذي تتسع سياسات مصالحه لشبكات حزبية وطائفية جعلته في مقام الوصي على السلطة وعلى الجغرافية في آن واحد .
حتى الآن يتصرف حزب الله كحاكم لكنه منصف لحلفائه وأخصامه من خلال مشاركتهم ومحاصصتهم شرط الإعتراف أو السكوت أو التعايش مع مقولة قوّة لبنان في حزبه .