مع سقوط مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار العراقية في يد «داعش»، يمكن القول إنّ النموذج الإيراني للسيطرة او على الاقل لإدارة الأزمة في أربع دول عربية، قد شارف على الإكتمال.
النموذج المقصود هنا هو هذا النوع من تعطيل مؤسسات الدولة، عبر تحييدها لمصلحة قوى ميليشياوية تتولّى بنفسها السيطرة على اجهزة الدولة الامنية والعسكرية والسياسية.هذا ما جرى في لبنان وسوريا، بعدما تحولت المؤسسات فيها ملحقاً بالتنظيمات المسلحة غير الرسمية بل والمعتمَدة على قوى ميليشياوية غير سورية، وفي اليمن مع تحول الحوثيين رقماً صعباً، ويكتمل اليوم في العراق مع انسحاب القوات الامنية الرسمية و«الاستنجاد» بالميليشيات الطائفية ممثلة بالحشد الشعبي، وبموافقة اميركية هذه المرة. كان لافتاً حجم الإنتقاد فضلاً عن البلبلة السياسية التي تخبّط فيها المتحدثون بإسم الوزارات الأميركية المعنية، سواء في الخارجية أو الدفاع فضلاً عن البيت الابيض.
وعكست الصحف الأميركية هذه الاجواء فيما عبّر عدد من أعضاء الكونغرس عن غضبهم من «تخبّط» إدارة الرئيس باراك اوباما في حربه ضد «داعش»، وفي علاقته مع إيران التي نجحت بحسب رأيهم في تحويل القوات الاميركية في قاعدة الحبانية العسكرية القريبة من الرمادي، رهائن في يد ميليشيات الحشد الشعبي و»داعش».
السيناتوران الجمهوريان جون ماكين وليندسي غراهام انتقدا استخفاف الإدارة بسقوط الرمادي، واعتبرا سيطرة «داعش» عليها هزيمة كبيرة، محذّرين من أيّ تدخل إيراني شيعي هناك لتأثيره السلبي في سنّة العراق.
هناك مَن يحذر من أنّ النتائج العملية لما جرى ويجرى في كلٍّ من العراق وسوريا واليمن تعكس سياسة اميركية قد تكون مقصودة بذاتها، عبر تحويل المنطقة مستنقعاً كبيراً لجميع اللاعبين، في ظلّ ضبابية الصورة المهيمنة على اللوحتين العسكرية والسياسية.
وتجزم أوساط اميركية بأنّ قدرة أيّ من اللاعبين الاقليميين على حسم المواجهة شبه مستحيل، في وقت يتزايد تورّطهم المباشر، من العراق الى سوريا فاليمن. ايران تقترب شيئاً فشيئاً من الاحتكاك المباشر بالسعودية في اليمن، فيما تتحدث اوساط ايرانية عن تقبل فكرة تقسيم سوريا، وتقاسم السيطرة على العراق، وسط غياب شبه كلي للغة الحلول السياسية.
لا بل هناك مَن يشكك في أن يكون تخلّي الجيش العراقي وقوات الامن الرسمية عن الرمادي، استعادة لسيناريو سقوط الموصل، في وقت يُجرى دعم اسس الدويلة الكردية بتنسيق كامل مع واشنطن، وتحويل باقي العراق «مذبحة» مذهبية كاملة الاوصاف. اما في سوريا، فالعجز عن حماية ما تبقى من النظام، قد لا تشفع فيه جولات الحوار الاميركي ـ الروسي المنعقدة في موسكو هذه الايام.
تقول تلك الأوساط إنّ خيار الحفاظ على «بنية» النظام قادرة على الاشتراك في أيّ مبادرة للحلّ السياسي بات شبه مستحيل، فيما الاستعدادات لمعركة دمشق قد تكون اقرب ممّا يتوقعه البعض. وحروب القلمون بدا جلياً أنّ دورها الدعائي لا يمكنه أن يصنع انتصارات، فيما إسقاط تلة من هنا أو هناك بدا أنه لزوم «الطلة» الاعلامية.
تضيف تلك الاوساط أنّ مسارعة المسؤولين الايرانيين الى بغداد ودمشق قد يكون مؤشراً الى استعدادات طهران للمرحلة المقبلة، بعدما تبين أنّ اللاعب العربي غادر حالَ الانتظار وتلقّي التوجيهات من واشنطن، وهي مغادرة فرضت على وزير الخارجية جون كيري ابتلاع ضغوطه لفرض هدنة ثانية في اليمن، بعدما تبين أنّ اللاعب الايراني بعيد كل البعد من القبول بتسوية سياسية لا تؤمّن له أرجحية كاملة في هذا البلد.
لكنها مغادرة لم تُثر لدى الإدارة الاميركية انزعاجاً جوهرياً، ولا تتصادم مع استقالتها السياسية والاستراتيجية من شؤون المنطقة. فأوباما ذكّر قبل ايام بأنّ الوضع في سوريا معقّد وطويل جداً، فيما تولّت ادارته العسكرية تطمين الخائفين الى أنّ سقوط الرمادي ليس كارثياً وستساعد «العراقيين» على استعادتها.
لكنّ المفارقة هي أنّ مواعيد استعادة الموصل قبل حلول شهر رمضان باتت أملاً يُرتجى، فيما يهدّد سقوط الرمادي بتمديد المواعيد الى أجل غير مسمى.