حكم العسكر ، كان له وقعه في تاريخ لبنان وحتى قبل نشأة المحكمة العسكرية ، فعهد فؤاد شهاب هو الممهد والصانع لهذه المحكمة ، حيث أنه إشتهر بالمكتب الثاني ، وهو المكتب المخابراتي المانع لكلّ تحركات إعتراضية ضد الرئيس الحاكم ، ولما نشأت المحكمة العسكرية كانت لمحاكمة كلّ من يرفض الرضوخ للسلطة القائمة ، وبالتالي كل من يقبض عليه "المكتب الثاني" يحوّل تلقائياً لمحكمة عسكرية .
هذه المحكمة قد نشأت في 13 نيسان 1968 ، وهي محكمة خاصة يرأسها قاضي عسكري يعاونه أربعة قضاة آخرين، ثلاثة منهم قضاة عسكريين والرابع مدني. هذا بالإضافة إلى أن القضاة العسكريين يعينون من قبل وزارة الدفاع بناء على توصية من قيادة الجيش .
وقد إتصفت بالأحكام العرفية ، حيث أن ليس من صلاحيتها محاكمة المدنيين ، وهي حاكمتهم مذ كانت وما زالت كذلك .
مهمات المحكمة العسكرية كما يفترض ، تنصحر بالأمور الإقليمية ، وبالجرائم العسكرية على إختلافها أما صلاحيتها فتنحصر بدعوى الحق العام ، من دون دعوى الحق الشخصي .
و وظيفتها ، محاكمة العسكريين وتحديد العقوبات عليهم .
المحكمة العسكرية لا تتطرق إلى محاكمة المدنيين، وإن خضع المدنيون للقضاء العسكري فيسمى الحكم بالحكم العرفي .
غير أن الأحكام في لبنان ، وسائر دول العالم الثالث ، هي أحكام عرفية يتم بها القيام بمحاسبة المدنيين بالمحكمة العسكرية .
مع الإشارة إلى أن القضايا المدنية ولو إنطوت تحت بنود الخيانة وتهديد الأمن القومي ، يجب أن تحال للمحكمة المدنية للبت فيها .
إلا أنه في لبنان هذا شأن العسكر والقضاء العسكري ، ممّ أفقد المحكمة العسكرية أهليتها .
وفي هذا السياق كان هنالك حديث في 9 /12/ 2014 ، من أحد قضاة التحقيق السابقين في المحكمة العسكرية لجريدة السفير ، ومناسبة حديثه هذا هو تصاعد الأصوات المطالبة بإلغاء المحكمة العسكرية ، نظراً لما لحق المواطنين من ظلم وإجحاف .
القاضي رفض فكرة إلغاء المحكمة لأهميتها ، ولكنه لم يخفِ السلبيات المحاطة بالأداء ، لذلك قام بتقديم مشروع لتعديل القانون ، ويتضمن هذا المشروع عدة إقتراحات لتنقيتها من الشوائب ، حيث قال حرفياً :
"لا ضرر من أن يطال التعديل قانون القضاء العسكري كأن يتم إبعاد الخلافات المدنية وعدم ملاحقة المدنيين أمام المحكمة العسكرية الدائمة في قضية ما لوجود عسكري فيها، إذ يمكن اللجوء إلى القضاء العدلي لتكون الملاحقة أمامه "
" كما أنه يمكن تعيين قاضيين مدنيين بصفة مستشارين في هيئة المحكمة بدلاً من قاض واحد كما هو معمول حالياً "
والتعديلات التي اقترحها القاضي ، هي من صميم السلبيات التي تعاني منها المحكمة العسكرية حيث أنها تأخذ دور القاضي المدني في قضايا ليست من اختصاصها ، فتصبح خاضعة للتسييس وللضغط وللعبة السياسية القائمة من جهة ، وممرّاً للصفقات التي يعقدها أهل السلطة من جهة ثانية .
ولكن هذا لا ينفي أن لهذه المحكمة ايجابيات ، ففي حين تنام الملفات القضائية في أدراج المحاكم المدنية لسنوات ، فإن المحكمة العسكرية تتميز بسرعة البت في الملفات، بحيث تصدر أحكامها في اليوم نفسه لختمها المحاكمة، وهذا أمر في غاية الأهمية .
كما وأنه في تاريخ 7 نيسان 1997 ، أبدت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدية في تقرير لها قلقها حيال الصلاحية الواسعة التي تتمتع بها المحاكم العسكرية في لبنان، خاصة وأنها تتجاوز حدود المسائل التأديبية لتطال المدنيين ، وكذلك أعربت عن القلق قلقة الأصول التي تتبعها تلك المحاكم وبشأن عدم وجود رقابة عليها .
معتبرة أنه ينبغي على لبنان أن يعيد النظر في صلاحية المحاكم العسكرية وأن ينقلها الى المحاكم المدنية في جميع المحاكمات التي تتعلق بالمدنيين أو بحالات انتهاك حقوق الانسان التي يقترفها العسكريين .