السيدة غير المحجّبة المشاركة في تظاهرة حزب الله في وسط بيروت التي نُظِّمت تأييداً للحوثيبن في اليمن يوم الثلاثاء الفائت، كانت سنّية المذهب، ذاك أنّها حين ابتعدت عن التظاهرة لتُجري محادثة هاتفية، قالت لمحدِّثها عبر الهاتف أنّ "ثمّة سُنّة غيري مشاركون في التظاهرة، ومن بينهم زاهر الخطيب".

إذاً، زاهر الخطيب سنّي أيضاً. ثم إنّ السيدة لم تكسر صفاء المشاركة الشيعية بسنّيتها فقط، إنّما أيضاً كسرته بسفورها، فالتظاهرة التي لسببٍ ما غلبت عليها المشاركة النسائية، على رغم أن الهتاف فيها كان بأصوات الرجال، غلَب على مشهد النساء فيها العباءآت السود، تلك التي ترتديها المنتظمات في حزب الله، لا المؤيدات. لكن السيدة السنّية غير المحجّبة، والتي حملت بيدها صورة لطائرة سعودية تقصف في اليمن، شطرت مشهد العباءآت السود.

لا شيء في لبنان هذه الأيام غير طائفي. المساجد طائفية، والمناطق والأزياء والأحزاب والحكومة وسيارات التاكسي، وحتى المخدرات، ذاك أنها إبنة خبرات لا تخلو من طائفية. وهذه الحقيقة ما كانت مأساوية لولا أن الطائفية قررت أن تتحول حرباً في العالم كله مرة واحدة.

يجب أن نكون سُذجاً في تفسيرنا مذهبيتنا وطائفيتنا. السيدة السنّية التي اخترقت تظاهرة حزب الله وحدها ليست طائفية ومذهبية، وكذلك النائب السابق عن الطائفة السنّية زاهر الخطيب. وما استدرجته السيدة فينا عبر مشاركتها غير الطائفية في تظاهرة طائفية هو قناعة بأن سيدة لبنانية قررت أن تكون غير طائفية عبر انحيازها لطائفة الآخرين! وبهذا المعنى كيف يمكن للمرء في لبنان أن لا يكون طائفياً؟ علينا أن نقاوم خيباتنا بقدر عال من السذاجة، تماماً كما فعلت السيدة السنّية غير المنقّبة المؤيدة للحوثيين ورافعة صورة الطائرة السعودية المغيرة عليهم.

أن نبتذل الطائفية، وأن نجعلها شأناً عادياً ومفصحاً عنه ومتداولاً، وأن لا نقيم وزناً لما تخلِّفه بالآخرين، فذلك قد يكون سبيلاً لجعلها أمراً تافهاً وإن كان قتلاً، تماماً كما نحن وأحزابنا ومذاهبنا، تافهون وقتلة. أن نتخيّل مثلاً أن أحداً سأل هذه السيدة عبر الهاتف: "كان في حدن سنّي غيرك بهيدي المظاهرة"؟ الأرجح أن السؤال بهذه الصيغة حمل قدراً من السخرية من طائفية السيدة، أو من لا طائفيتها. والأرجح أيضاً أنّ من كان يسألها طائفي أيضاً، لكنه طائفي خفيف الظل وساخر من طائفيته! والطائفي، إذا ما كان خفيف الظل، لا خوف من طائفيته، ذاك أنها في وعيه مجرد مفارقة.

لا أدري لماذا استدرج سماعي عبارة "لم أكن السنّية الوحيدة في التظاهرة. كان زاهر الخطيب مشاركاً"، كل هذا الضحك. كانت طرفة في مشهد شديد الطائفية والمذهبية. نساء مرتديات عباءآت سود يرفعن صور الحوثيين، ويمشين بالقرب من "بانويات" كبيرة علقها تيار المستقبل عليها صور الملك السعودي. لقد تحوّلت احتمالات الحرب والصدام لكثرة ما تكررت إلى مشهد خطر لكنه مضجر فعلاً.

ما فعلته بي هذه الطرفة أنا العابر اليومي المرهق بعد يوم من العمل، ومن عشر سنوات من التظاهرات في محيط عمله، هي أنها أشعرتني أنه من الممكن للمرء أن يبتسم أثناء احتضاره.