أصبح التخّبط والفوضى والضياع والتحدث في الإسلام أمراً شائعاً من كل حدبٍ وصوبٍ ، في أغلب الدول والمجتمعات الإسلامية إن لم نقل في جميعها ، بما فيها الدول الغربية التي يتواجد فيها مسلمون ، حتى أصبحنا في حيرةٍ من أمرنا ، وبتنا لا نعرف من يتحدَّث ومن هو المتحدِّث بإسم الإسلام الذي يجب أن ننصت له ونعرف ونعي ما يقول .
وكثرت المحطات التلفزيونية الفضائية التي تستضيف الشيوخ الذين يتبوؤن مناصب إفتائية ويتحدثون بإسم الدين والأخلاق وكأنهم وكلاء الله على الأنفس والخلق ، وكثرت المؤسسات والجمعيات والمراكز الإسلامية ، وتعدَّدت إجتماعاتها وتصريحاتها المستنسخة والمتكررة التي قد لا تخرج عن حيّز الإسنتساخ المحفوظ .
وتعددت بشكل غريب تلك العيادات الإسلامية والقرآنية والعيادات النبوية والإفتائية في أغلب المجتمع الإسلامي ، وتُبث على القنوات الفضائية في الدول العربية والإسلامية ، والبعض منهم يختال الناس ببعض الرقية وينسبها للنبي (ص) وللإمام المهدي(عج) ويتلاعب بالأعراض من أجل شهوة شيطانٍ ، وتطالعنا تلك القنوات صباحاً ومساءً بتلك الدعايات وداعاً لتلك الأمراض السرطانية وتلك الشعوذات المتلبسة بالجن والسحر ، وبمراكز الرقية الشرعية لعلاج الحسد والمس ، وتأخّر الزواج وحلول المشاكل الأسرية ، وجلب الحبيب والمطلقة ، وزواج العانس وتأخير الإنجاب وما إلى ذلك من تلك السخافات والخُرَافات التي يروجونها أصحاب المصالح وأصحاب المشعوذين الذين يوصفونهم بالعلماء الربانيين والروحانيين ، من هؤلاء ممن يصفون آيات من القرآن الكريم لعلاج مرضٍ ويوعزوه إلى الجنِّ والشياطين بما فيه الأمراض الخبيثة الذي يدَّعي هؤلاء المشعوذين أنه عملٌ من الجنِّ ، وأنهم قادرون على معالجته والشفاء منه ، وهنالك الآلاف من الجهلة الذين يتصلون بهذه العيادات المشيخية الشيطانية عبر القنوات الفضائية أو بزيارتهم الخصوصية لتلك العيادات وتصديقهم والإنتظار طوابير من الزبائن ، ويجمع هؤلاء المشعوذين - رغم فقرهم - الملايين من الدولارات .
وللأسف هناك أيضاً محطات تلفزيونية محلية الصنع تستضيف شيوخ عابرين للحدود وهم بلا حدود، ويملكون جوازات سفر عابرة للجيوب والقلوب تحت وظيفة الإفتاء، وبهذا يكون الدين وسيلة للحياة وللكسب لهؤلاء المشعوذين من بعض رجال الدين ومن غيرهم ، وأصبح كل من يدخل إلى التدين بإستطاعته أن يتحدَّث ويحدِّث الناس بالدين ، لأنه لا يوجد عند المعنيين ضابطة ومؤسسة تحمي الناس من هؤلاء .
بخلاف العلوم الأخرى وبالأخّص علم الطب الذي لا يمكن لأحد أن يجرؤ أن يعالج المرضى إن لم يكن طبيباً متخرِّجاً من " كولوكيوم" .
وما ورد في الدين من الحديث النبوي القائل : "العلم علمان : علم الأديان ، وعلم الأبدان " ، وآيات القرآن الكريم هي هدى ونور وشفاء لما في الصدور من غلٍ وحسدٍ وخوفٍ ، فعلم الأبدان هو العلم الذي يفتقر إليه البشر في كسب ما يفتقر إليه في حياته ، وعلم الطب في مقدمة تلك العلوم لأنَّ الأطباء من نعم الله تعالى للحياة البشرية .
وقد نقل عن عيسى (ع) "إني لا أعجز عن معالجة الأكمه والأبرص ن وأعجز عن معالجة الأحمق" .
وليس أوضح في الثقافة والعلم من زوجية الحركة وصحة الأبدان سيما وأنّ الدين يعد نفسه الوارث الحقيقي للصحة ، لأن العلم في الدين هو حياة القلوب من الجهل ، وضياء الأبصار من الظلمة ، وقوة الأبدان من الضعف ليبلغ الإنسان منازل الأخيار ، والجاهل مطبق الفؤاد كالأعمى الذي لا يبصر .