شكّلت الجلسة التي استمعَت فيها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان الى شهادة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مناسبةً لاستعادة الخطاب الشهير الذي أدلى به جنبلاط نفسه العام 2007، في الذكرى السنوية الثانية لاغتيال الرئيس رفيق الحريري.
والحق أن إعادة الاستماع لذاك الخطاب الناري اليوم، على وقع ما يجري من مجازر وفظائع في سوريا، تجعله أكثر سياسيةً وأكثر دقّة حتّى ممّا كان عليه يومها.
ففي شباط 2007، كان الخطاب مزيجاً من التعبويّة التي أراد جنبلاط تعزيزها في وجه الأسد وحلفائه، ومن تحدّي القتل، ومن الانتقام من الذات على ما اقترفته من تعاون مع القتَلة في سنوات سابقة، ومن تأكيد أمام الناس أن جدار الخوف قد انهار ولم تُعد الاغتيالات والعبوات الناسفة والرصاص بناءه.
وكان الخطاب كذلك، بحدّته وبالتشابيه الذي تضمّنه، محاولة للجم التراجع في جسم القوى الاستقلالية بعد انتقال العماد ميشال عون من معسكرها الى المعسكر المستمرّ في تحالفه مع القتَلة، والساعي لمحاصرة الحكومة وإسقاطها.
بهذا المعنى، عبّر خطاب وليد جنبلاط يومها عن هاجس وحيد هو الاستمرار في مواجهة النظام السوري لبنانياً وعدم الاستسلام أمام آلة القتل، والإبقاء على الجمهور الـ14 آذاري متماسكاً رغم ما يتعرّض له بعض ممثّليه من اغتيال أو محاولات اغتيال.
تسارعت الأحداث بعد خطاب الـ2007، وفشلت قوى 14 آذار في بلورة مشروع سياسي نتيجة عوامل ذاتية، إذ أن معظم قواها – تماماً كما جميع خصومها - لم يكونوا معنيين ببناء دولة على أسس تتخطّى المحاصصة الطائفية، وعوامل موضوعية مرتبطة بتوازنات القوى وبالنظام السياسي القليل المرونة وبالاحتقان المذهبي المتفاقم. كما فشلوا نتيجة استخدام حزب الله اللاحق لسلاحه ضدّهم واجتياحه بيروت واعتدائه على بعض مناطق الجبل وإسقاطه الحكومة بالقوة العسكرية الميليشياوية. وتبع ذلك اتفاق الدوحة ثم مسار التطبيع مع النظام القاتل في دمشق وما تخلّل الأمر من زيارات الى العاصمة السورية بطلب سعودي.
في العام 2011 قامت الثورة السورية، وأصبح كل ما سبقها يبدو أحداثاً شديدة التقادم، الى أن أعادت المحكمة الدولية نبشها وتذكيرنا بها، وحوّلتها الى مشهد مواز للمشهد السوري. لذلك بدت الكلمة الجنبلاطية المستعادة راهنية. بدت وصلاً للحظة مرّت عليها سنوات باللحظة السورية اليوم، وبدت أيضاً فعل ندامة على بعض اللحظات التي تلتها وسبقت إعادة بثها. وبدت دقيقة في توصيفها بكلمات معدودة لنظام البراميل والسكاكين والكيماوي الذي لا صور أبلغ من صور المسوخ والكائنات التي تلفظها الطبيعة للتعريف به...
"يا وحشاً من وحوش البراري" وتتمّة الكلمة لم تكن شتائم أو مبالغات إذن. كانت تعريفاً بالقاتل. وكانت مجرّد تسمية له بأسماء تنتظر أن تتكرّر تلاوتها في محاكمات مقبلة.
المصدر: ناو