وإن كان يذّكرنا من وقت لآخر بأنّ إسرائيل هي العدو التاريخي للعرب ، إلا أنّ حزب الله حوّل مسار بندقيته من الإتجاه نحو الجنوب إلى الجهة الشرقية للبنان ، دون أن ينسى أن يسوق جملة من التبريرات لهذا التحوّل في استراتيجيته القتالية .
فالترسانة العسكرية الضخمة التي يمتلكها حزب الله إنمّا تمّ بناؤها تحت عنوان تحرير الأرض اللبنانية المحتلة من العدو الإسرائيلي ، وبعد التحرير إحتفظ بها تحت شعار توازن الرعب ،ولاحقاً تحت عنوان الإستراتيجية الدفاعية . وكذلك فإنّ أرتال الشباب التي إنتسبت إلى الحزب فإنّها إنتظمت في صفوفه على خلفية العداء لإسرائيل الظالمة وقتالها لإغتصابها حقوق عربية ، وبسبب إحتلالها لأراضٍ في أكثر من دولة ، وبغية تحرير هذه الحقوق وهذه الأراضي من أيدي الغزاة الصهاينة.
وبالتالي فإنّ التأييد الشعبي الواسع في الداخل اللبناني وفي معظم البلدان العربية لحزب الله فإنّه تفجّر من الشعور بالعداء لإسرائيل والمخزون في الوجدان العربي رغم تراكم الهزائم التي مني بها العرب نتيجة تخاذل الأنظمة العربية ومتاجرتها بالقضايا العربية.
ومع تراجع منسوب التعبئة ضد إسرائيل وخفوت جذوة الصراع ضد العدو الصهيوني وهدوء الجبهة الجنوبية ، فإنّ حزب الله إنتقل بكامل عديده وعتاده إلى سوريا للقتال إلى جانب النظام رغم أنّ الجميع يدرك أنّه لم يعد هناك مستقبل لهذا النظام. حتى الذين يدورون في فلكه والمؤيدين له فإنهم يعرفون أنّ مصير النظام السوري يكتنفه الكثير من الغموض والضبابية في ظلّ الصراعات الإقليمية والدولية التي تدور رحاها على الأراضي السورية والتي قد تنتهي بتسويات وصفقات على رأس هذا النظام.
فحزب ألله ذهب إلى سوريا بعد إقفاله للجبهة مع إسرائيل وهذا ما يعرفه اللبنانيون ، حتى البعض منهم الذي ينكر هذا الواقع ويعلن أن الحزب مستمر في مواجهة إسرائيل فإنّه يشعر أكثر من غيره أنّ الحزب تنصّل من هذه المهمة وأعفى الجنوبيين منها ، أي الجبهة المفتوحة مع إسرائيل. أمّا لبنان الرسمي والشعبي فقد عجز عن ثني حزب الله عن قراره بالذهاب إلى سوريا.
فالمؤسسات السياسية والعسكرية والأمنية والاجتماعية عجزت عن ذلك ، والحكومة تقف على الحياد في معركة الحزب في القلمون على ما ذكر بيان الجيش اللبناني ، وكذلك فإنّ مجلس النواب صامت والمسيحيون متنازعون بين موافق وعاجز عن تحويل رفضه فعلاً سياسياً . وإذا كانت الحروب ضد إسرائيل قد منحت حزب الله شرعية الإستمرار محتفظاً بمنظومته العسكرية ، وحوّلته إلى رقمٍ صعب في المعادلة اللبنانية.
فإنَ معركة القلمون ستنتزع عنه هذه الشرعية ، فضلاً عن أنّها قد تتحوّل إلى حرب إستنزاف لشبابه ولقدراته القتالية . والسؤال فهل يعي حزب الله ولو مؤخراً مخاطر الإنزلاق في هذه الحرب التي تخترق حواجز الفتنة المذهبية؟؟؟
أم أنّ الغرور يحجب عنه الرؤية الواضحة ، وينسيه نفسه أنّه مهما بالغ في استغباء جمهوره فإنّه لن يكون أكثر من أداة صغيرة تتحرك تحت عباءة الولي الفقيه الذي لا يرى غير مصلحة إيران أولاً وأخيراً !!!
بمعنى أوضح فهل يحتفظ حزب الله بشكل من أشكال شرعية إستمراريته أم ينزعها عن نفسه في القلمون؟؟؟