خلال خساراته في إدلب وجسر الشغور، لم يدخر النظام جهداً لتعزيز موقفه في محيط دمشق، وخصوصاً في الغوطة الشرقية؛ حيث قام بمحاولات عديدة لاقتحام الغوطة انطلاقاً من زبدين وجوبر فمخيم الوافدين مروراً بتل كردي. وباءت جميع محاولات الإقتحام بالفشل، إلى أن نجحت قوات النظام باقتحام بلدة ميدعا، قبل أسبوع، ولكن لم يلبث أن انقلب السحر على الساحر، حيث تمكن "جيش الأسلام" من استعادة السيطرة عليها. ولم تكتفِ المعارضة بذلك، بل تابعت تقدمها باتجاه منطقة عدرا الصناعية، فسيطرت، الأربعاء، على معمل السبيداج ومنطقة تل الأصفر الاستراتيجية، معززةً مواقفها على هذه الجبهة.

أما على جبهة تل كردي فقد حقق "جيش الإسلام" تقدماً مهماً حيث سيطر، قبل أيام، على قطاع كامل في منطقة الإسكان بالقرب من مؤسسة الإسكان العسكرية، وأصبح على بعد 150 متراً من طريق دمشق-حمص الدولي، ما يشكل خطراً حقيقياً على شريان حياة النظام.

تبع ذلك التقدم، معركة جديدة أطلقها صباح السبت "جيش الإسلام" بمؤازرة من "فيلق الرحمن" في قطاع المرج، وشملت بلدات دير سلمان والزمانية والبلالية. وهذه البلدات كانت بغالبها تحت سيطرة النظام، لكن "جيش الإسلام" تمكن من السيطرة على معظم مساحة دير سلمان والزمانية، وأحكم سيطرته على قرية البلالية. وما تزال الاشتباكات مستمرة بشراسة على هذه الجبهات، وتشير الأنباء الواردة من هناك، بأن قوات النظام تقوم بهجوم معاكس لاستعادة النقاط التي خسرتها، تحت تغطية نارية كثيفة من نيران المدفعية والطيران الذي نفذ أكثر من ثماني غارات منذ صباح الأحد.

وقال مصدر في "جيش الإسلام"، لـ"المدن"، إن خسائر النظام البشرية بلغت أكثر من 80 قتيلاً في المعارك السابقة، وتم تدمير أكثر من عشر آليات بين دبابات وعربات مجنزرة، واغتنام "بلدوزر" وكمية من الأسلحة المتوسطة والخفيفة وذخائرها.

وفي السياق، قام "فيلق الرحمن" بالاشتراك مع "جبهة النصرة" بنسف مقر كانت قوات النظام قد تحصنت فيه على جبهة عربين، عبر حفر نفق تحته، ومن ثم تفخيخه ونسفه، ما أدى لمقتل قرابة 15 عنصراً من قوات النظام. وقد سبقت تلك العملية محاولات للتسلل من قبل قوات النظام في جبهة عربين، على مدى الأيام الأربعة الماضية، ما أسفر عن مقتل 8 عناصر لها، ولم تفلح في إحراز أي تقدم يذكر.

كما شنّت قوات النظام هجوماً على حي جوبر الدمشقي، والأشد خطورة، في نقطتي المناشر وطيبة وتم صدّ الهجوم.

وقد قال الناطق باسم "اتحاد تنسيقيات الثورة" يوسف البستاني، لـ"المدن"، إن هذه التطورات والتقدم الذي أحرزته الفصائل المعارضة، جاء نتيجة اندماج وتوحد التشكيلات الصغيرة ضمن كيانات أكبر، معرباً عن أمله بحصول اندماج كلي للفصائل في الغوطة الشرقية يماهي التوحد الذي حدث في إدلب.

كل هذه المعارك تجعل من منطقة الغوطة محاطة بزنار من اللهب، على معظم جبهاتها، في وقت يحاول فيه كل طرف جاهداً أن يحرز تقدماً، في ظل التصعيد السياسي الملحوظ على الساحة الدولية والأقليمية.

ويرى مراقبون أن "جيش الإسلام" يرسل إلى اللاعبين الأقليمين رسالة فحواها أنه قادر ومؤهل لقرع أبواب دمشق، إذا تهيأ له المناخ المناسب، من دعم لوجستي وغطاء جوي. وسبق هذه المعارك استعراض عسكري للجيش، أثار ضجة حول مدى التنظيم والقدرات التي يمتلكها، وتزامن بث هذا العرض مع زيارة قائد "جيش الإسلام" إلى تركيا ولقائه شخصيات من المعارضة السياسية ومندوبين عن القوى الأقليمية.

وكان اللقاء الأبرز هو الذي جمع علوش مع قائد "حركة أحرار الشام الإسلامية" أبو جابر الشيخ، والذي تلاه كلام في الأوساط السياسية، عن نية "جيش الإسلام" و"حركة أحرار الشام" الانضمام إلى "الإئتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة" ككتلة عسكرية، ربما تكون شبيهة بكتلة الأركان، التي تمثل فصائل الجيش الحر. ولم يصدر أي تصريح رسمي بهذا الشأن من الفصائل العسكرية المذكورة، بينما اكتفى الائتلاف الوطني بالتلميح إلى ترحيبه بهذه الخطوة، مع نفي أي حديث رسمي بهذا الخصوص.

وتأتي هذه التطورات في ظل الإعلان عن مؤتمر للمعارضة السورية في الرياض، لوضع خطة لإدارة المرحلة الانتقالية لما بعد نظام الأسد. 411