إستيقظت صباح طفولة على صوت لم يشدني اليه نصرة الحق ونبذ الباطل أو معرفة الصواب والخطأ لأنني كنت في عمر لا أدرك فيه سوى الحب الفطري والحق الوليد من نفس كانت الطفولة تغذيها بالنقاء والصفاء بعيداً عن تلوثات الأنا وكبرياء الجاه وسلطان النفوذ والسيطرة..
ترعرعت في محراب صلاته وكبرت مع كلمات دعاءه دون أن أعرف في ذلك الزمن معنى الخلاف بين إنسان وآخر ..
كنت أعيش إيمان الحب المطلق على قاعدة كلنا أبناء الله نعيش في مملكته تحت ظلال رحمته ..
سماحة السيد :
في ذلك الزمان سكن قلبي حب الله المجرد عن القيود والشروط التي صنعها ابن الإنسان وجعلها ممراً إجبارياً مليئاً بالحواجز والعراقيل وتفنن بابتداع غرف التفتيش القلبي والعقلي وفحوصات النوايا والتدقيق بكل محاورها .
حين تكدست كلماتك الجريئة على صفحات كتابنا الذي اعتدنا المدارسة فيه ، خفنا من متابعة القراءة وطوينا الأوراق وصرنا نرفع أصوات صراخنا لنُسمع آذاننا شيئاً مختلفاً وكأننا نسلي أنفسنا في مساحة رغبٍ كي لا نشعر بالخوف .
كررنا الأمر مراراً والرعب يلاحقنا في كل زوايا ذاتنا ونحن نكابر لأننا لا نريد أن نعترف ..
صمدنا في بعض ذلك الزمن ونحن ندرك بوعيٍ أننا مخطئون فوضعنا أصابعنا في آذاننا ومشينا في عتمة الأيام وأوهامنا تصارعنا في معركة ضميرٍ اتصل ثم انفصل ونحن لم نعرف أننا في حفل مأتمه إلا بعدما انبعثت رائحة موتٍ كريهةٍ الى أنوفنا ..
وقفنا على شرفات منازلنا وفي أزقة حاراتنا لننكرك تارةً ولنعلن البراءة منك تارة أخرى وكلما مشينا خطوة كنا نزداد رضوخاً في قلب عاصفة الغبار حتى نسينا كل فصول أمسنا وبدأنا نصوغ عبائر الشتيمة واللعن إلى أن بلغنا حد المباراة ونحن نتسابق أيّ منّا يبالغ في العداوة أكثر ..
أرخينا لشهوات أنفسنا العنان في هوى لا حد ولا سد لجريانه وفي اليوم الذي لا نجد فيه ما نقوله كنا نجهد أنفسنا في تأليف الرواية إثماً وزوراً ونستعجل في بث ما خطر لنا من حصيلة نسج الخيال خشية تسلل بعض كلماتك إلى عالمنا لأننا أدركنا أن وصولها المبكر سيدمر كل أوهامنا وسيقضي على نزعة شهواتنا .
فجأة هدأت عاصفة الغبار وصفا الجو أمام أعيننا وصار الذي أنكرناك لأجله ديننا الذي نتقرب به الى الله فرجعنا لنرصف حروف الكلمات الضائعة والجمل التائهة بنص الوجوب تارة والإستحباب تارة أخرى، وصرنا كلما جمعنا بضعة كلمات نؤلف منها نصّ حكمٍ ندعو الناس للإلتزام به وحرمة مخالفته بعد أن كان هو نفسه منك خيانةً وجريمةً وكفراً ..
وربي أنا لست في موقع التحيز والتموضع ولست غريق عاطفة الهوى ولكنني أدركت معنى العصر وأن الإنسان في خسر فبثثت بعض خلجات النفس متدبراً هول يوم زلزلة ساعته شيء عظيم .