عندما أصدر الرئيس العراقي السابق صدام حسين أوامره الخاصة إلى قواته المسلحة باجتياح الكويت لم يكن يدرك أنه بذلك يدق أول اسفين في نعش نظامه ويثبت دعائم المنصة التي تدلى منها حبل المشنقة الذي أنهى حياته لأنه بهذا الاجتياح دخل مرحلة الخطر وتجاوز الخط الأحمر للمعادلة الاقليمية وهدد ميزان القوى بالاختلال. وكذلك فإن الرئيس السوري بشار الأسد فإنه عندما أصدر أوامره أواخر شهر أيار للعام 2005 للقوات العسكرية السورية المتواجدة في لبنان بالانسحاب على خلفية توجيه أصابع الاتهام للنظام الأمني السوري باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لم يدرك أنه بذلك خطا الخطوة الأولى في مرحلة نهايته وأن خروجه من لبنان هو المقدمة لخروجه من سوريا.
وأن البندقية التي قدمهاالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله هدية لرئيس جهاز الأمن والاستطلاع يومها اللواء رستم غزالة كعربون صداقة في حفل وداع انسحاب آخر جندي سوري من لبنان فإن رصاصات هذه البندقية هي التي تصطاد رؤوس الأجهزة الأمنية في النظام السوري الواحد تلو الآخر. وأن سقوط هذه الاجهزة هي المقدمة الطبيعية لسقوط النظام برمته. سيما وأن هذه الاجهزة كانت تشكل الأعمدة الأساسية والركائز الثابته للنظام الأمني الحاكم في سوريا. فالرئيس السوري حتى اللحظة لا يريد أن يصدق أن خروجه من لبنان تغطية للاتهام الكبير الذي تم توجيهه إليه باغتيال الرئيس الحريري هي البدايه لخروجه من الحياة السياسية في سوريا.
وكان عليه ومطلوبا منه - تفاديا لهذا المصير القاتم - أحداث تغييرات جذرية في نظامه الأمني واستبدال الرموز الفاسدة في هذا النظام بغيرها أكثر قبولا لدى الناس. لكنه بدل ذلك توغل أكثر في الإجرام واستخدام الرد العسكري والأمني ضد الشعب الذي تحرك أساسا في مظاهرات سلمية مطالبا بإصلاح النظام وليس باسقاطه حتى وصل إلى اللحظة التي لم يعد ينفع معها أي إصلاح.
وإذا كان الرئيس السوري بشار الأسد لا زال حاضرا في قصر المهاجرين المحاصر فذلك ليس لأنه يمتلك من القوة ما يحفظ استمراريته في الحكم. فقد انتهى فعليا منذ أكثر من سنتين حين دخلت إيران بقوة من أجل إعادة ضخه بمقومات البقاء عبر حزب الله والميليشيات العراقية الموالية لها. ما يعني أن استمرار النظام السوري مرتبط بإيران.
ولا يبدو في الوقت الحاضر أن إيران قد تسمح بانهيار النظام السوري كليا باعتباره ورقتها القوية للتفاوض عليه خدمة لمصالحها في سوريا حين يأتي الوقت. ومعركة القلمون التي يبشرنا حزب الله بخوضها هي تعبير واضح على أن إيران لا تزال جاهزة لتأمين صمود النظام وحفظ النقاط الاستراتيجية التي تؤمن له الإمداد.
إلا ان عملية عاصفة الحزم ألتي خاضتها المملكة العربية السعودية في اليمن ضد التمدد الإيراني فيه عبر الدعم العسكري الإيراني للحوثيين. والتطور الميداني في سوريا الذي سجل تراجعا عسكريا واضحا لقوات النظام أمام تمدد المعارضة في عدة مدن ومراكز على جانب كبير من الأهمية والسعي لبلورة موقف عربي موحد في وجه المشروع الإيراني التوسعي.
هذه العوامل شكلت حافزا للمجتمع الدولي للمزيد من الاهتمام بالشأن السوري وقد تدفع بالإدارة الأميركية إلى إعادة جدولة ملفاتها في المنطقة وعلى ان يتصدر الملف السوري أولويات الرئيس الأميركي باراك أوباما خصوصا مع تنامي الهواجس المباشرة لحلفائه من الدول الخليجية بحيث تشكل هذه الهواجس العنوان الأبرز على جدول أعمال القمة المنتظرة بين الرئيس الأميركي ونظرائه الخليجيين في 13 و14 من الشهر الجاري في كامب دايفيد.
ومن بين أبرز هذه الهواجس العمل على وضع حد لمطامع إيران في المنطقة وتقليص نفوذها في سوريا والتوافق على استبعاد بشار الأسد عن أي عملية سياسية يجري الأعداد لها تنهي الحرب السورية وذلك بالعودة إلى مقررات مؤتمر جنيف واحد.