عندما كان تنظيم القاعدة يتصدر العمل الإرهابي حول العالم وقبل أن تندلع الثورة السورية وقبل أن تخلق داعش والنصرة، وقبل أن يتورط حزب الله في الحرب السورية، وعندما كان حزب الله يحتفظ بكامل رصيده الذي جمعه من عمله
المقاوم ضد العدو الإسرائيلي، كان زعيم القاعدة أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري يهاجمان حزب الله بإستمرار وبعنف ويستخدمان نفس المصطلحات التي تستخدم اليوم من قبل النصرة وداعش، كان أمين عام حزب الله السيد حسن
نصرالله يتجنب الردّ على بن لادن والظواهري وكان يتجنب ذكر أسميهما وكان يطلب من مسؤولي حزب الله عدم الردّ على القاعدة حتى لا يستخدم ذلك في التعبئة والتحريض المذهبي ومنعا" لإندلاع فتنة سنية-شيعية في لبنان
والمنطقة، وأكثر من ذلك، عندما إندلعت الثورة السورية وقبل أن يتدخل حزب الله بشكل علني ومباشر للدفاع عن النظام السوري، وعندما بدأ ظهور جماعات متطرفة غير سورية تأتي للقتال في سوريا، وجّه السيد حسن نصرالله نداء
و نصيحة لتنظيم لقاعدة من أجل التنبه إلى الفخّ الذي ينصب له في سوريا، لإستدراجه إلى هناك والقضاء عليه، وهذه النصيحة كانت مستغربة ومستهجنة حينها لأنها أتت من حزب معادي للقاعدة.
قرار حزب الله القاضي بعدم الدخول في سجال مع القاعدة وعدم الدخول في صراع مذهبي مباشر معه، كان قرارا" حكيما" ومدروسا"، إلاّ أنّ حزب الله لم يمارس نفس الأداء تجاه النصرة وداعش، فدخل في حرب مذهبية معهما
وتورط في قتل الشعب السوري وإعتمد شعارات مذهبية ودخل في هذا الصراع المذهبي وبدون قفّازات، ولم ينتبه إلى أنّ التعبئة التي يعتمدها في بيئته لتجنيد الشباب للقتال في صفوفه، لها مفاعيل عكسية في المقلب الآخر، فالتعبئة
المذهبية هنا، ستولد حتما" تعبئة مذهبية هناك، وهكذا كان، وهذه السياسة الرعناء التي إعتمدها حزب الله، هي وليدة سياسة رعناء إعتمدها النظام الإيراني في العالم العربي، حتى وصل الأمر ببعض المسؤولين الإيرانيين إلى الإدلاء
بتصريحات إستفزازية وقحة تتحدث عن سقوط أربعة عواصم عربية بيد إيران ومنهم من تحدث عن نشوء الإمبراطورية الإيرانية وعاصمتها بغداد، هذه الرعونة أدّت إلى ردّة فعل عربية تمثلت بعاصفة الحزم التي فاجأت النظام
الإيراني وأربكته وأربكت أتباعه في المنطقة. مشكلة حزب أنه مرتبط بشكل بنيوي بالنظام الإيراني، وهذا الإرتباط رمى به وبرصيده وبشبابه في المقتلة السورية، وخطأ حزب الله وخطيئته أنه يدافع عن نظام ساقط وهو يعرف حق
المعرفة أن إنقاذه أصبح ضرب من المستحيل. اليوم يستطيع حزب الله أن ينسحب من تلك الحرب وينفد بريشه وبشبابه وببعض رصيده، أما إذا إستمرّ في القتال هناك حتى لحظة السقوط الكبير، سيكون إنسحابه مكلفا" لا بل مستحيلا".