لا يزال الغموض يكتنف ما أطلق عليه ب (معركة القلمون ). والناس في منطقة البقاع الشمالي تعيش حالة ترقب وحذر. والتحضيرات التي قام بها حزب الله خلال الأسبوع الماضي للمعركة كانت ظاهرة للعيان. فطوابير الآليات العسكرية والشاحنات التي تقل المقاتلين لم تتوجه باتجاه جرود السلسلة الشرقية بطريقة سرية بل في العلن وفي وضح النهار. والمصادر القريبة من حزب الله تتحدث عن اكتمال الاستعدادات. فبعض المستشفيات وبناء لطلب حزب الله رفعت من نسبة جهوزيتها ومنها مستشفى دار الأمل الجامعي ومستشفى دار الحكمة. وقوات النخبة التي تعد بالآلاف والمختارة لخوض المعركة أصبحت جاهزة للبدء بالتنفيذ عند سماع النداء على وسائل الاتصال السلكية او اللاسلكية. وكل الأجواء ألتي اشاعها حزب الله على أن المعركة حتمية وساعة الصفر بين لحظة وأخرى وما يفصلنا عنها أيام قليله وربما ساعات. وأوضحت المصادر بالقول (ستحصل معركة كبيرة جدا وعنوانها تحصين القرى اللبنانية على السلسلة الشرقية والقرى السورية في جبال القلمون. ولم يقل أحد أن هدف المعركة إنهاء وجود المسلحين ).
إلا أن اللافت أمس الأول هي المعلومات الواردة من ارض المعركة المفترضة والتي تحدثت عن خفض درجة الاستنفار في صفوف مقاتلي حزب الله وأن أعدادا كبيرة من هؤلاء المقاتلين تم إعطائهم مأذونيات للاستراحة. وكذلك ما رواه شهود عيان عن مشاهداتهم لعشرات الآليات العسكرية وهي تغادر أرض المعركة ونزولها من المرتفعات الجبلية التي كانت مرابضة فيها. ما يوحي بتراجع منسوب حتمية وقوع المعركة. مما يؤكد ان المبالغة التي اعتمدها حزب الله في التحضير لمعركة القلمون هي بمعظمها شائعات حاول الترويح لها أكثر مما هي وقائع ميدانية. لكن هذا لا يعني أن الحزب ليس على جهوزية تامة استعدادا لأي احتمالات قد يتعرض لها أو قد تطرأ على أرض الميدان.
لا شك أن المعطيات التي بنى عليها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حساباته في منتصف شهر شباط الماضي حين اطلق موعدا لبداية معركة التخلص من مقاتلي الجماعات الإرهابية المسلحة في جبال السلسلة الشرقية مع ذوبان الثلج في الجرود درءا لاخطارهم على القرى اللبنانية الحدودية. هذه المعطيات قد تبدلت ولم تعد هي نفسها اليوم وكذلك فإن ميزان القوى في الواقع الاقليمي قد اختل سياسيا وعسكريا لمصلحة دول المنطقة الداعمة لهؤلاء المسلحين. ذلك ان عاصفة الحزم ألتي قادتها المملكة العربية السعودية وشارك فيها أكثر من عشر دول عربية ضد الحوثيين في اليمن والمدعومين من إيران شكلت حاجزا عربيا منيعا في وجه الأطماع الإيرانية ليس في اليمن فقط بل في سائر المنطقة العربية وكان لها تداعيات سلبيه على المشروع الإيراني التوسعي في الدول التي تشهد حروبا ومعارك ضارية وخصوصا في سوريا. وبالتالي فإنها بمثابة مفصل لأفول مرحلة عربية انهزامية وبداية حقبة جديدة هدفها استعادة العرب لقراراتهم الاستراتيجية.
فعاصفة الحزم أنتجت تفاهمات بين السعودية وتركيا وقطر وهذه التفاهمات نجحت في توحيد مجموعة من الفصائل الإسلامية الكبرى بينها جبهة النصرة بحيث تجاوزت خلافاتها وشكلت قوة عسكرية مشتركة تم تزويدها بأسلحة متطورة مما مكنها من تحقيق تقدما عسكريا في الميدان السوري ضد النظام وحليفيه إيران وحزب الله وتمكنت من السيطرة على مدن ومواقع تعتبر نقاط استراتيجية بالنسبة للنظام حيث وصلت إلى مشارف اللاذقية.
من الواضح أن هذه التطورات الميدانية في سوريا والتي جاءت انعكاسا لعاصفة الحزم واتاحت للفصائل الإسلامية المعارضة تقدما ملموسا في أرض المعركة وتحقيق انتصارات إضافية ضد النظام السوري لم تكن في حسابات السيد حسن نصرالله عندما اطلق تهديده ضد الجماعات المسلحه المرابضة في جرود السلسلة الشرقية.
وعليه فإن معركة القلمون إذا كانت حاجة ملحة للنظام السوري لإعادة التوازن العسكري الميداني ولأستعادة بعضا من معنوياته المنهارة فليست بالضرورة حاجة لحزب الله والتي ستكلفه اثمانا باهظة في الأرواح والعتاد وتدخله في حرب استنزاف تفقده خيرة الشباب التي تم تأهيلها وتدريبها لقتال العدو الإسرائيلي وليس لخوض معارك في سوريا دون افق واضح. وعلى قيادة حزب الله إعادة حساباتها على ضوء المستجدات الإقليمية وهي بالتأكيد قد أعادت حساباتها وقد تكون قد توصلت إلى خلاصة مفادها أن معركة القلمون شر يمكن تجنبه.