مع إقتراب عام على الشغور في رئاسة الجمهورية إحتدم النقاش السياسي حول على من تقع مسؤولية تعطيل الإنتخابات الرئاسية طوال هذه المدة الزمنية وهل صحيح أن المسيحيين وحدهم يتحملون هذه المسؤولية، ولا علاقة للمسلمين في هذا الأمر لا من بعيد ولا من قريب طالما أن دورهم يقتصر فقط على إنتخاب من يتفق عليه المسيحيون من أبناء الطائفة المارونية الذين يترشحون أو يرشحون لهذا المركز الأرفع في البلاد؟
المنطق يقول أن المسؤولية في تعطيل إنتخاب الرئيس لا تقع كلها على المسيحيين ما داموا مجتمعين لا يؤمنون نصاب الثلثين لانتخاب الرئيس، فكيف بهم وهم منقسمون إلى جبهتين وربما إلى أكثر كما هو واقع الحال، مما يجعل المسؤولية مشتركة بين المسيحيين والمسلمين، لأن المسلمين هم الذين يُكملون النصاب الدستوري للانتخاب بوصفهم شركاء في صناعة الرئيس وفق ما نص عليه إتفاق الطائف. وهذا المنطق يسلّم به فريق من المسلمين ويُعلن هذا الفريق أنه مع الخيار الذي يتفق عليه المسيحيون بالنسبة إلى الرئيس ويلتزم بانتخابه من دون منّة. أليس هذا ما أعلنه رئيس تيّار المستقبل سعد الحريري وأكد عليه أكثر من مرّة بل في كل مرّة يُسأل عن موقفه من الاستحقاق الرئاسي، حتى أنه لا يمانع في انتخاب خصمه اللدود النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية في حال توافق المسيحيون عليه، ولا أعتقد أن موقف رئيس تكتل الوسط النائب وليد جنبلاط يختلف عن موقف الرئيس سعد الحريري في هذا الخصوص وهو من القائلين أن هذا الاستحقاق مسؤولية وطنية ثم عدّل موقفه وقال إنه مسؤولية المسيحيين وحدهم حتى إذا ما توافقوا على تسمية أحد لرئاسة الجمهورية لا يمكن للمسلمين إلا أن يباركوا هذا التوافق بانتخابهم هذا الإسم، وهذا يدل على أن بقاء الفراغ أو الشغور في سدة الرئاسة مسؤولية مسيحية قبل أن تكون مسؤولية وطنية، ويتوجب على القيادات المسيحية تصحيح هذا الخلل المتمادي منذ سنة والتوافق فيما بينهم على تقديم إسم حتى يُصار الى انتخابه بالإجماع أو النزول الى مجلس النواب وترك اللعبة البرلمانية تأخذ مجراها وتختار الأكثرية واحداً من المتنافسين بدلاً من الإمعان في تعطيل الإنتخابات كما يفعل النائب عون منذ أن وجهت أول دعوة إلى البرلمان من أجل الاجتماع وانتخاب رئيس الجمهورية، ومن المؤسف أن المسيحيين عموماً والموارنة خصوصاً لم يقمعوا النائب عون ويجبروه على النزول إلى مجلس النواب لإكمال النصاب وإنقاذ رئاسة الجمهورية المهددة بالضياع لأنه موعود من حزب الله بإيصاله إلى بعبدا وإلا لا انتخابات لرئاسة الجمهورية وليعمّ الفراغ كل المؤسسات الدستورية من مجلس نيابي وحكومة وطبعاً من رئيس جمهورية، لأنهم يعتقدون بأن هذا الوضع القائم في لبنان هو المناسب لمشروعهم في المنطقة وفي لبنان ووجود رئيس على رأس سلطة الدولة من شأنه أن يعطّل هذا المشروع، وهذا الأمر ليس اكتشافاً بل هو معروف تماماً عند القيادات المسيحية، وعند النائب عون بالذات ، لكن شهوة الحكم جعلته يسير في ركاب الحزب لتحقيق مشروعه بدلاً من السير في ركاب جماعته ليحافظ على هذا الموقع الوحيد الباقي للمسيحيين في هذا الشرق، وبدلاً من أن يطوف البطريرك الماروني على دول الغرب يستجدي منهم العمل على الحفاظ على مسيحيي الشرق من خلال الحفاظ على رئاسة الجمهورية الوحيدة الباقية لهم أن يقف في بكركي ويقول للمسيحيين الحقيقة كاملة وهي أن النائب عون يتحمّل وحده مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية.
بقلم عامر مشموشي