العلاقة التاريخية بين لبنان والمملكة العربية السعودية أمتن وأعمق وأكثر رسوخاً من ان تتأثر بزوابع تُثار في فناجين السياسات الإقليمية، ودائماً من منطلق مصالح فئوية لا تفيد اللبنانيين ولا حتى الذين يقرعون طبولها وفق إيقاعات تريد إلحاق لبنان لا بل زجّه في التيار الذي تقوده ايران، التي لم تتردد في الإعلان انها باتت تسيطر على أربع عواصم عربية منها بيروت!
لكن بيروت ليست ضاحية ايرانية ولا هي إحدى ملحقيات طهران، ولهذا كان من الطبيعي ان يتدفق هذا المسلسل من المواقف والتصريحات من الحكومة الللبنانية والمسؤولين والقيادات الحزبية والسياسية، في إطار حملة تضامنية مع الملك سلمان وقراره "عاصفة الحزم"، الذي أسقط مقولة أن صنعاء أيضاً باتت تحت السيطرة الإيرانية.
جاء ذلك رداً على المواقف التي اتّخذها "حزب الله" وشكّلت رجع صدى للموقف الإيراني المفجوع بإنهيار حساباته اليمنية بعد إنهيار الإنقلاب الحوثي، أمام الحزم العسكري والعزم السياسي وقد عكسه التحالف الذي نسجه الملك سلمان، مما يشكّل مفترقاً سيكون من شأنه تصحيح الأوضاع والأدوار في المنطقة التي ظنّ الإيرانيون انها مشاع مفتوح لعربدتهم وتوسّعهم، بما يعني ان سقوط الإنقلاب الحوثي قد يشكّل بداية لإسقاط المشروع الإيراني في الإقليم.
السفير السعودي علي عسيري اختصر في كلمته المقاصدية، جوهر كل هذا الجدل عندما ذهب الى العمق بالقول نحن نفهم ان للجغرافيا السياسية تأثيرها وكذلك للإمتداد الإقليمي، ولكننا لا نفهم كيف ان البعض مستعد لنحر بلاده وتعريضها لأسوأ المخاطر في سبيل مصلحة جهة خارجية، وعلى هذا كرر سؤاله الى الذين يتخذون مواقف عدائية من السعودية ودول الخليج ويكيلون لها الإتهامات والإفتراءات:
"لماذا المقامرة بمصلحة لبنان وبمصالح اللبنانيين ولمصلحة من؟ ان المواقف التي تتخذونها لا تصب في مصلحة لبنان لأن الدول العربية هي المجال الحيوي للبنان شاء من شاء وأبى من أبى".
إنه طبعاً السؤال الأكثر إحراجاً يوجّه الى الذين يسوقون الاتهامات والافتراءات الى السعودية ودول الخليج، على الأقل لأنه يقترن بحقيقتين واحدة ناصعة ونبيلة والثانية فاضحة ومخجلة.
أما الناصعة فتتمثل، ويا للمصادفة، بأن الحملة على السعودية تزامنت مع وصول الدفعة الأولى من صفقة السلاح الفرنسية الضخمة، التي موّلتها الرياض بمبلغ اربعة مليارات دولار بما يؤكد حرصها على دعم لبنان وجيشه ودولته وشعبه.
وأما الفاضحة فتتمثّل على الأقل بتصريح علي يونسي مستشار حسن روحاني بأن ايران باتت تسيطر على أربع عواصم عربية، بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، بما يؤكد ان لا لبنان ولا اللبنانيين في حسابات طهران التي تعتبرهم مجرد ملحقية بيروتية مُسقِطة تاريخهم والجغرافيا، ومنكرة عليهم مجالهم العربي الحياتي والحيوي... وهذا من المستحيلات!