ما زالت أوروبا تطالب تركيا بالإعتذار والإعتراف بالمذبحة الأرمنية منذ قرن على حصولها على أيدي العثمانيين عام 1915 م/ إلى عام 1917 م..في عهد السلطان عبد الحميد ، وحصيلتها مليون ونصف قتيل أرمني، كما تقول الروايات والمصادر الأرمنية أنفسهم ، ولهذا فإنَّ الإتحاد الأوروبي وضع شرطاً لقبول تركيا في الإتحاد وهو الإعتراف بالمذبحة وتقديم الإعتذار للطائفة الأرمنية ، وما زالت تركيا تستنكف هذا الإعتذار..
كثير من الشعوب والدول تعتذر لبعضها البعض عن إساءات تاريخية حصلت معها وعن معارك معينة في لحظات تمر عبر التاريخ ، فمثلاً اليابان قدَّمت إعتذاراً لبعض الدول التي إحتلتها في جنوب شرق آسيا،وعن الممارسات بحق الأسرى في الحرب مع الجنود البريطانيين، والمثقفون الفرنسيون حاكموا وأدانوا فرنسا على تاريخها الأسود بحق الجزائر وقدَّمت الإعتذار ، والدولة العظمى أميركا قدَّمت الإعتذار لأفريقيا عن قرون مضت من تاريخها بحق العبيد السود ،وهكذا كثير من دول العالم والشعوب المتقدِّمة تفعل هذا الأمر من الإعتذار، والتاريخ مليئ بالشواهد..ه
نا لا نريد أن نبرِّر تلك الاخطاء من هذه الدول وخصوصاً إذا كانت أخطاء قاتلة لمجتمع بأكمله ، ولا نقول بأنهم لا يخطئون ولا يسيئون ، بل على العكس من ذلك يخطئون ويسيئون كثيراً ، ولكن تراهم يبادرون بالإعتذار والإعتراف بالأخطاء ويقدِّمون التعويضات ،هكذا هي ثقافة الشعوب الغربية لأنهم يملكون الشجاعة والإعتراف بالخطأ وإنها لفضيلة عظيمة تمارسها تلك الشعوب تحت حراسة العدالة التي لا تنام عن الأخطاء والإنحرافات والتجاوزات ، حتى المسلمون في تلك الدول إذا تعرَّضوا للإعتداء والإساءة فإنهم بإستطاعتهم رفع شكوى ضد من يسيئ إليهم ويحصلون على حقوقهم، وهذا لا يحتاجنا إلى أدلة وبراهين على هذا الكلام والتجربة خير دليل...
لماذا في عالمنا الإسلامي والعربي لا نمتلك تلك الفضيلة ؟، لم نسمع من أي دولة عربية أو إسلامية تقديم إعتذار على بعض الجرائم والإساءات والتجاوزات مع بعضهم البعض، لماذا إلى الآن لم نسمع من تركيا أي إعتذار حول قضية المجزرة الأرمنية؟ ما أكثر الإساءات والتجاوزات فيما بيننا وما أقل الإعتذار ، دول عربية أساءت إلى غيرها ، سوريا مثلاً عندما دخلت لبنان ومارست التجاوزات وكل لبناني شاهد عليها وخرجت تحت ضغط القوة الأميركية ومع ذلك لم نسمع بتلك الفضيلة...وهاتيك العراق أبان حكم صدام حسين عندما شنَّ عدواناً على دولتين جارتين وتسبب في قتل الملايين ومع ذلك مات صدام ولم يعتذر؟
حتى هذه الثقافة تمارسها الجماعات والأحزاب الإسلامية والدينية وتاريخها مليئ بالقتل والتجاوز والتعدي والهتك والتصفيات بعضهم لبعض ولغيرهم ومع ذلك يبررون أفعالهم وكأنهم لا يظلمون ولا يخطئون كأنهم شعب الله المختار بكل ممارساتهم وأعمالهم ويملكون أسانيد مسنَّدة يطلبون من خلالها الرخص والمعاذير..
أنظر عبر الساحة والمساحة الإسلامية واستمع إلى كمِّ اللعنات التي تصب على بعضنا البعض "بالإضافة إلى رفع السبابة " وباللعنات والشتائم والسُباب في ثقافتنا الإسلامية والتاريخية والمذهبية، ومن باب أولى اللعنات إلى المجتمع الغربي سواء كان مسيحياً أو يهودياً أو تحت أي ديانة أخرى ،في كل جمعة في مسجد أو حسينية ، وانظر إلى حجم التحريض والكراهية ضد الآخر؟
بالله علينا وعليكم هل يستطيع أحد رفع دعوى ضد مشايخ "حيَّ على الجهاد" الذين إختطفوا منابر بيوت الله فحوَّلوها إلى منابر للتحريض وإهدار دماء المسلمين، سواء في سوريا أو العراق أو في اليمن أوفي دول المنطقة ، هل يستطيع أحد مقاضاتهم؟ هذه هي ثقافتنا نحن لا نعتذر ونطالب الآخرين بالإعتذار.