الوجود السوري او الإحتلال أو الوصاية تسميات متعدده لمعنى واحد وهو مصادرة القرار اللبناني لمصلحة السياسة السورية. إذ ان البلد ولثلاثة عقود كان محكوما من قصر المهاجرين في دمشق. اضافة إلى ان النظام السوري عمد إلى إقصاء أي تدخل عربي او دولي لمعالجة الأزمة المتفاقمة في لبنان ووضع حد للحرب الأهلية فيه.
وبعد الإنسحاب السوري من لبنان في العام 2005 لم يكد اللبنانيون يتنفسون الصعداء باستعادة حريتهم المفقودة وقرارهم المسلوب حتى وجدوا أنفسهم في ظل وصاية جديدة أخطر بكثير من الأولى وهي الوصاية الإيرانية. ففي ظل الهيمنة السورية كانت سوريا تتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية فتختار رئيسا للجمهورية وتشكل حكومة تطمئن إليها وإلى سياستها الداخلية والخارجية وتمارس ضغوطا في الانتخابات النيابية لتأمين أغلبية في المجلس النيابي موالية لها رغم أن غالبية اللبنانيين لم تكن راضية عن هذا التدخل وكانت تشعر بنقص في السيادة والحرية والاستقلال والديموقراطية لكنها كانت مرغمة على قبول هذا الأمر الواقع الذي يخدش الكرامة الوطنية لكل مواطن لبناني.
لكننا اليوم في زمن الوصاية الإيرانية التي ورثت الوصاية السورية فإن ايران تفعل ما هو أسوأ وأخطر من ذلك بكثير. فسوريا كانت تتدخل لاختيار من تريد رئيسا للجمهورية اللبنانية أما إيران فإنها تتدخل لتعطيل الاستحقاق الرئاسي تاركة البلد يعيش في ظل فراغ تام يفتح أبواب الفوضى والسير نحو المجهول والتعرض لمخاطر انعكاسات الأزمات الإقليمية عليه.
فرئيس للجمهورية وإن كانت تختاره سوريا أفضل للبنان وأسلم له من تدخل إيراني لتعطيل انتخابه واشتراط ان يكون مرشحها هو المطلوب انتخابه وإلا فلا انتخاب. وهذا لم يحصل مع أي دولة كانت تتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية. فكانت تسعى لتأمين أكثرية نيابية للمرشح الذي تريده دون اللجوء إلى تعطيل الاستحقاق الرئاسي.
والتدخل الإيراني في شؤون لبنان الداخلية لا يقتصر على الانتخابات الرئاسية إنما يشمل كل نواحي الحياة فيه بما فيها السياسية والأمنية. ففي السياسة وعند تشكيل الحكومات تعمل إيران على تعطيلها إذا لم يكن لأدواتها المحليين فيها الثلث المعطل وهي بدعة اخترعها حزب الله بذريعة تحقيق المشاركة الوطنية الصحيحة بحيث تمكنه من الاعتراض على أي قرار حكومي لا يتوافق مع مصلحته وسياسته ومن ثم تعطيله ولو أدى ذلك إلى شلل عام يلف البلد.
وفي الأمن فإن حزب الله إضافة إلى المربعات الأمنية التي يحتفظ بها ويحظر على المؤسسات العسكرية الشرعية من جيش وقوى أمن داخلي وامن عام من الدخول إليها فإنه يشارك الدولة في السيطرة على استقرار البلد وأمنه. واذا ما صار خلاف بينهما اهتز الأمن إن لم يكن في كل لبنان ففي المناطق التي يسيطر عليها الحزب بمعنى أن القرار الأمني يكون لحزب الله وحده إذا لم يوافق عليه شريكه في السلطة.
والسؤال الذي يطرحه اللبنانيون بإلحاح. متى تفرج إيران عن الحل لأزمة الانتخابات الرئاسية؟
إن أحدا لا يمتلك الجواب. وكل الأجوبة تبقى في إطار التحليل الذي لا يستند إلى أية معطيات او معلومات دقيقة. وكل الرهانات على إنجاز الاستحقاق الرئاسي سواء المتعلقة منها بالمفاوضات الجارية بين ايران والدول الغربية حول الملف النووى الإيراني أو التي لها علاقة بالتقارب الإيراني السعودي فإنها رهانات غير واقعية وتبقى في إطار التكهنات.
أما الجواب الشافي فهو في جعبة المرشد الأعلى والولي الفقيه السيد علي الخامنئي. فهو وحده من الجواب.
ومع ان الفراغ الرئاسي سيدخل عامه الثاني إلا أنه على اللبنانيين الإنتظار حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.