"ايضا وأيضا... من الرب نطلب: من يعالج اضرار معمل الزوق؟"، عنوان مقالة كتبها رئيس بلدية زوق مكايل نهاد نوفل ونشرت في جريدة "النهار" عام 2003، معربا فيها عن يأسه من الوعود الكاذبة لحل مشكلة معمل الزوق وسموم دواخينها. سموم معمل الزوق مسلسل من اجزاء عدة ومئات الحلقات، انطلق في السبعينات ولا يزال مستمرا حتى يومنا هذا.
مشكلة مزمنة لدى ابناء كسروان تمتد آثارها الى الاقطار المحيطة، بانتظار حلول موجودة تطرح بين الفترة والأخرى وتدرس وتحضر وتناقش فيحلم الكسرواني بأن تطبق كي ينتهي ذلك الكابوس، ولكن.. بقيت تلك الوعود وعودا والقرارات حبرا على ورق.
جزء من تلك السلسة بدأ مؤخرا عندما علا الصوت مرة جديدة ورفع ابناء الزوق الصرخة، بسبب تطور وتوسيع للمعمل يقضي بإضافة دواخين جديدة تضخ مزيدا من التلوث في سماء هذا البلد. من هنا عاد الاعتراض على عمل مؤسسة كهرباء لبنان ومشروعها الجديد، فهو بحسب اتحاد بلديات كسروان "مخالف للقانون وغير مرخص"، بالإضافة الى التلوث البيئي الذي سينجم عنه.
مؤسسة كهرباء لبنان: نسب التلوث الى انخفاض والمشروع مطابق
ولكن قابل هذا الاعتراض، توضيح من مؤسسة كهرباء لبنان أكد ان نسبة التلوث المنبعث من الداخونين انخفض بنسبة كبيرة منذ العام 2012، معترضين على ما قيل عن ان التغيرات تنفذ بشكل غير قانوني بسبب عدم حصول التراخيص، اذ تؤكد ان المعايير باتت مطابقة للمعاير البيئية اللبنانية والعالمية وذلك من خلال تجهيز مجموعات الإنتاج في المعمل بوحدات معالجة تضخ مواد كيميائية.
وفي هذا الإطار، أشارت المؤسسة الى تعميم صادر عن رئيس مجلس الوزراء عام 2003 يسمح بالمباشرة في تنفيذ اعمال البناء لمشاريع الأبنية الحكومية قبل الحصول على التراخيص المطلوبة شرط أن يتم تأمين هذه التراخيص قبل الانتهاء من أعمال البناء، مشددة ايضا على ابلاغ البلدية بمباشرة إجراءات ختم الخرائط تمهيدا للحصول على رخصة البناء.
كما تتطرق مؤسسة كهرباء لبنان الى لفت النظر الى مشروع إنشاء خط بري لنقل الغاز الطبيعي بطول 177 كلم من معمل دير عمار إلى معمل صور مرورا بمعمل الذوق، والذي من شأنه ان يخفف من الانبعاثات الملوثة في جميع معامل الإنتاج إضافة الى تحقيق وفر مالي ملحوظ.
مع هذه الآراء المتناقضة، كيف ستنتهي هذه المعضلة المعقدة؟ وما هي حقيقة هذا المشروع الجديد ومضاره ومخالفاته للقوانين؟ واين البلديات المعنية من هذا الموضوع؟
مرعب
واوضح رئيس بلدية زوق مصبح شربل مرعب ان "مشكلة السموم المنبعثة من الدواخين لم تحل حتى الآن والتلوث لا يزال قائما"، مشيرا الى ان "المشكلة ستتفاقم مع ازدياد عددهم"، مشددا على ان "المؤسسة تبدأ بتنفيذ المشروع من دون الحصول على رخصة قانونية وموافقة من البلدية. ورد على توضيح المؤسسة بالاشارة الى ان "قرار مجلس الوزراء لا يعفيهم من موافقة البحث البيئي الضرورية قبل البدء بالمشروع".
واعتبر ان "استعمال المصافي لم يحل الازمة بل خفف من وطأتها فقط، وقال: "90% من سكان المنطقة يصابون بالسرطان او امراض الرئة بسبب هذه الانبعاثات، كما تعد المشاهد الحية التي نراها يوميا من شرفات المنازل خير دليل ايضا".
وفي حديث ل_"الوكالة الوطنية للاعلام"، لفت الى ان "المؤسسة لم تبلغ البلدية المعنية اي بلدية زوق مكايل بقرار التوسيع، فبادرت شرطة البلدية بزيارة المكان الا ان عناصر الامن منعتهم من الدخول وتعرضت لهم"، داعيا الى الالتفاف حول بلدية زوق مكايل والمشاركة في الاعتصام السلمي المقرر والتحركات الهادفة لانهاء هذه المشكلة.
وحمل مسؤولية التأخر في حل هذا الملف الى المسؤولين، معتبرا ان "جزءا من المشكلة يقع على ابناء كسروان الذين تهاونوا في تحصيل حقوقهم، اسفا لان "الضغط الشعبي يحتاج الى تحريك من الفاعليات السياسية في المنطقة من نواب ووزراء"، معلقا على موقف نواب كسروان بالقول: "رئيس اتحاد بلديات كسروان ورئيس بلدية زوق مكايل نهاد نوفل يتكفل بالتنسيق معهم بهدف المشاركة في الاعتصام والوقوف الى جانب الأهالي وايجاد الحلول ولكن لا امتلك معلومات شخصية عن مدى تجاوبهم حتى الآن".
وعن اعادة اعلاء الصرخة اليوم، أعاد السبب الى "تكاتف بلديات كسروان الى جانب الاتحاد وبلدية زوق مكايل المعنية مباشرة بالمعمل، والتي بادرت بإحياء رفض الأهالي من جديد"، مؤكدا تضامن جميع البلديات وتعاونهم لإنهاء هذه المسألة.
وتطرق الى الحلول المطروحة، متسائلا: "لماذا لا تستبدل دواخين الفيول بالغاز، ما يوفر على الدولة والمواطن في آن معا؟"، موضحا ان "كلفة تمويل الغاز اقل من تمويل الفيول كما ان مضاره ترتد بشكل أخف على صحة ابن كسروان"، مشددا على ان هذا الحل يرضي الطرفين.
وختم لافتا الى ان "سموم معمل الزوق تصل الى قطر 20 كلم، لتتأذى بشكل كبير مناطق عجلتون وسهيلة وضبية وطبرجا وجونية، الى جانب زوق مكايل وزوق مصبح ومحيط حريصا.
الشق القانوني
اما المحامي طارق أشقر، فشرح في حديث للوطنية ان "المشروع يتطلب دراسة يجريها الأثر البيئي التابع لوزارة البيئة ككل ما يتعلق بالامور البيئية، ما لم ينفذ قبل البدء بأعمال التوسيع. وركز على ان هذه الممتلكات تعود للبلدية رغم انها تعد مؤسسات عامة، لذلك يرى وجوب ابلاغها بالمستجدات ايضا. واوضح الخطوات الواجب اتباعها، شارحا ان مؤسسة كهرباء لبنان وبلدية الزوق تعدان من اجهزة الدولة وتخضعان لوصاية وزارتي الطاقة والمياه، والداخلية والبلديات، ما يوجب ايجاد حل اداري بين الاجهزة المعنية بعيد عن المحكمة العدلية.
ورأى ان نسبة التلوث انخفضت، الا ان الانتقال الى دواخين الغاز اسلوب متطور ومستعمل في بلدان عدة، متطرقا الى ان زيادة عدد الدواخين سيزيد مجددا من نسبة التلوث المنبعثة في الهواء. ورشح اللجوء الى حل آخر يقضي بنقل مكان المعمل الى منطقة ناقية بعد بيعه، موضحا ان قيمته تفوق كلفة الانشاء اذا نفذ بحسب خطة شاملة ودقيقة، ولافتا الى اهمية ارض المعمل التي باتت اليوم تصنف ارضا سياحية يستفاد منها في الشأن السياحي.
دواخين معمل الزوق ومضارها رواية اعتدنا على سماعها منذ عشرات السنوات، فالشق الصحي امر لا يمكن اغفاله، حين تؤكد دراسات اجراها اطباء متخصصون ان المعمل يلوث الفضاء ما يسبب امراضا في الانف والرئة بالاضافة الى امراض السرطان. ومع تلك التقارير وشكاوى المواطنين يبقى خفض التلوث حل لا يكفي الى حين وجود حلول اخرى منطقية وصحية ومتطورة تنهي ازمة عشرات السنوات.