إريد من خلال المقارنة بين الموقف الإيران تجاه صعود حركة طالبان، والموقف السعودي تجاه صعود الحوثيين، في اليمن التطرق إلى استراتيجية إيران في معالجة الأزمات. هذا بالرغم من أن مقارن حركة أنصار الله بحركة طالبان، مقارنة غير دقيقة، حيث أن حركة طالبان كانت حركة متطرفة و تكفيرية، بينما حركة أنصار الله ليست كذلك. عند ما احتلت حركة طالبان معظم المناطق الأفغانية في العام 1998 واقترفت جريمة قتل الدبلوماسيين الإيرانيين، بعد اقتحام مقر القتصلية الإيرانية في مزار شريف، كان الجميع يتوقع بأن إيران سترد على طالبان بالهجوم العسكري وقصف مواقعها، وفعلاً قام الحرس الثوري بإنزال أكثر من 15 ألفاً من عناصره على الحدود الإيرانية الأفغانية، ولكن المرشد الأعلى أية الله خامنئي، حظّر الحرس من التدخل العسكري في أفغانستان، معتبراً أن أفغانستان، وحل من السهل الدخول فيها ولكن يصعب الخروج منها.
وبالتأكيد لم يكن خامنئي يقصد من الخروج، هذا النمط من الخروج الفاضح الذي اضطرت المملكة السعودية إليه بعد 27 يوماً من القصف والغارات التي لم تخلف إلا دماراً واسعاً في البنية التحتية وضحايا مدنيين، كما لم تزد الحوثيين إلا عزيمة وثباتاً وتقدماً، ولم تترك إلا كراهية الشعب اليمني للجار المعتدي. كان المرشد الأعلى يعرف بأن القصف الجوي لم يؤدي إلى أية نتيجة، كما النزول على الأراضي الأفغانية يجعلك محتلاً من المستحيل، تبريره بقتل عناصر ديبلوماسية.
وما حدث في اليمن،التي هي حقاً كما يقال، أفغانستان عربية، لم يكن إلا استفزازات بسيطة وتحذيرية للسعودية من قبل الحوثيين، لم ترتق إلى مستوى فعلة طالبان في مزار شريف، حيث أن أكثر ما قام به الحوثيون، عبارة عن مناورات عسكرية على الحدود اليمنية السعودية، ولم يهددوا الأراضي السعودية. ولم تكن تلك المناورات، تستحق رداً عاصفياً كما قامت به السعودية، بحجة دعم الشرعية، حيث لا يقبل أي خبير بدور السعودية في مصر، أنها تحرص على الشرعية.
أللهم إلا أن يقال بأن الشرعية التي تدعمها السعودية حتما يجب أن تكون غير ديمقراطية، وشرعية محمد مرسي كانت شرعية ديمقراطية، مما لا تعجب بها السعودية. كانت لإيران أن تتذرع بنفس الحجة - أي دعم الشرعية- في العام 1998 لضرب أفغانستان بحجة دعم حكومة المجاهدين الائتلافية، حيث أنها كانت تتمتع بالشرعية. إلا أن شرعية طالبان كانت تفوق شرعية المجاهدين، عند المملكة السعودية.
كما كانت لها أن تتذرع بحجة الحفاظ على أمنها القومي، للتدخل العسكري في أفغانستان. من السهل القول بأنه لو كانت إيران تتدخل في أفغانستان، لضرب حركة طالبان، لكانت السعودية تدعم طالبان، كما كانت فعلاً ودوماً من أهم الداعمين لها.
وتمكنت إيران، بفعل ضبط النفس من الانخراط في الحرب اليمنية، من تحقق انتصار سياسي على الصعيد الدولي، حيث أنها منذ بدأ الحرب، طالبت بوقفها ودعت اليمنيين بالذهاب إلى طاولة الحوار، وأظهرت للمجتمع الدولي بأنها تريد السلم وتتجنب الدخول في الحروب.
وبغض النظر عن إخفاق المملكة السعودية في الوصول إلى أهدافها من وراء عاصفة الحزم، التي اصطدمت بتخلي باكستان وتركيا ومصر عن مرافقتها، وانتهت بالإعلان عن وقف القصف، يمكن القول بأن المملكة، خسرت الكثير من رصيدها في المجتمع الدولي، كما المجتمع اليمني، بقيامها بهذا الاعتداء الفاضح. واليوم وبعد الإخفاق السعودي في اليمن من تحقق أهدافها وخيبتها من أصدقائها (باكستان وتركيا ومصر) يمكن تصديق قول المرشد الأعلى الإيراني، الذي اعتبر أن السعودية، بعد صعود الملك الجديد، أصبحت أسيرة بيد عدد من الشباب، قليلي الخبرة.