دشن محمد مجتهد شبستري مرحلة جديدة من الاصلاح الديني في ظل الدولة الدينيّة أيّ داخل سطوتها وسيطرتها وليس من خارج فضائها وكيانها مما يعني أنه واجه مشروع السلطة المؤسس على الغيب من جهة الوهم في الحكم وعلى التجربة التاريخية لواقع السلطة وهو بذلك أنعطف تجاه مصادر الحكم في الاسلام ولم يدخل مباشرة لا في آليات الحكم ولا في توظيفات الدين في السلطة ليعترض على دمج قهري وقسري ديّن الدولة وسيّف السلطة ورببها وجعل الناس امّا كافرين بربها أو مُقصّرين في عبادته وهكذا بدا الاستبداد السياسي والديني واحداً في التجربة المُرهقة للبشرية .
لذا جاء تدشين شبستري الاصلاحي مساوقاً لتدشينات الاصلاحيين الايرانيين وفي مقدمتهم محمد خاتمي ولكن في الحفر بالنصّ الديني الذي أنتج دعوة الدين الى دولة ممهدة للمهديّ المنتظر بحسب الفهم المذهبي للشيعة أو لدولة الخلافة بحسب زعم المذهب السُني وهو بذلك أتاح فرص النقد للسائد الديني بأبعاده كافة وحطّم جُدُراً من اسمنت المحرمات التي بناها الفقيه طيلة ولادة ولاية الفقيه وفي بعديّها الصوفي والمذهبي .
لقد فتح محمد مجتهد باب الكتب التراثية على قراءة نقدية أسهمت في افراغ حمولات الدين من شحنات مُقدسة للتأويلات البشرية ومّقيّدة للعقل التفكيري بقيد تكفيري منع من وجود نقاش فعلي حتى للسرد المذهبي الأمر الذي وضع المنتوج التاريخي العقائدي والفقهي للسلطة الشيعية في السلة الالهية للائمة الأطهار وبات الحديث والسؤال المُعترض عن أيّ مُكرّس تاريخي تطاول على المُقدس الديني الأمر الذ أتاح غلبة فعلية لقوة قهرية لا يمكن منازعتها في أحوال الدين والدنيا كونها تملك وكالة حصرية من الله وبواسطة المهديّ الذي أستأمنها في غربته الكبرى لتوفير متطلبات التمهيد لخروجه المنتظر ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً .
لقد حايث شبستري سلطة الفقيه من موقع الاختلاف والملازمة معاً لتأمين ممرّات آمنة لمشروعه العقلي كيّ يُبصر النور على عين السلطة نفسها - تماما كما في قصة موسى النبي - وقد نجح في تقديم أنموذج جهادي نضالي متقدّم في تهديم بُنى السلطة الدينية عن طريق تأسيسات السلطة نفسها وآثر ذلك سيكون عظيماً في اللحظة التاريخية ويبدو أن حيوية الانتخابات الرئاسة الايرانيّة وتنور الناخب الايراني ونزعته الاصلاحية تستند وتستمد جرأتها العقلية من الأفكار الشبسترية التي حررت العقل الايراني من الأسر وجعلته نقيض احتياجات نظام يدير السلطة بالطريقة التي يؤم فيها صلاة الجماعة . عُذرأ من محمد مجتهد شبستري لأني أسميته فقيه ايران بعد أن تمّ تفريغ الرتبة العلمية واللغوية من محتواها لأنها باتت مطلقات جاهزة على جاهلين بأمور الدين والدنيا وما أكثرهم في عالم اسلامي منقاد لرجال دين معوّقين يمتهنون لغة السيف ويبتعدون عن لغة العقل لأن لا عقل لهم فهو مجرد مستودع تاريخي يستهلكون بضاعته بطريقة مجنونة كما هو رائج الآن في تجارة الاسلام السياسي وتبدو الجهادية الذبحيّة لتنظيم الدولة رافعة أساسية وراية من رايات الفتح الاسلامي الجديد .
أن يبادر مركز العربي للحوار وموقع لبنان الجديد الى استضافة مفكر اسلامي كبير هو محمد مجتهد شبستري في محاضرة عن الاصلاح الديني في الجامعة الأمريكية اضافة الى حوارات متعددة في مناطق لبنانية مساهمة جديّة في تغليب منطق العقل على ارادات الجهل المسيطرة على التجربة الاسلامية وتأكيد جديد على حرص فعلي لتصحيح مساراتنا السياسية المُغلفة بالقشور الدينيّة أو المُتصلة كما تدعي بحدود الرؤية الدينية للسلطة .
ان اختيار شخصية ايرانية بحجم شبستري دلالة على تعزيز هويات ايرانية قادرة على المساهمة والمشاركة في نقل الواقع الاسلامي من مرحلة التصدع المذهبي والتخلف الفكري الى مرحلة التوحد تحت سقف دين العقل لأن العقل هو النبي القادر على أنتاج الوحدة التي باتت مستحيلة بعد سيطرة الجهل على مذاهب المسلمين ولكن لن ييأس المؤمنون بالعقل وسيدفعون قدر الامكان بعجلة التاريخ الى الأمام .