يعتبر المفكر الكبير محمد مجتهد شبستري من أهم المفكرين في إيران والعالم الاسلامي وهو جمع بين عمامة رجل الدين والمدنية, وتولى منذ العام 1970 ادارة المركز الاسلامي الشيعي في مسجد الامام علي في هامبورغ وكان ولا يزال من الناشطين على مستوى الحوار بين الأديان سيما الحوار الاسلامي المسيحي .
كان محمد مجتهد شبستري من تلامذة الإمام الخميني قدس وانتخب عضوا في البرلمان الايراني عام 1979 ولكنه آثر بعد وقت قصير الإنسحاب من العمل السياسي اليومي فتوجه إلى التدريس في جامعة طهران حيث حصر اهتماماته في تدريس الفلسفة الاسلامية والدينية وفقه الدين .
ويعتبر شبستري من المطورين لفكرة نقد الدين والأيديولوجيات الدينية وله أفكاره الخاصة حول الفردية وحقوق الإنسان والديمقراطية وبعض التشريعات الاسلامية وهي أفكار تعتمد إلى حد كبير على مواكبة التطور العلمي .
سعى شبستري ولا يزال إلى تطوير فكرة ملائمة الدين لمتطلبات العصر الحديث ويدعو الى اعتماد تشريعات إسلامية معاصرة تستطيع مواكبة تطلعات العصر الحديث .
على الصعيد الايراني يعتبر شبستري من الاصلاحيين الإيرانيين وهو من المفكرين الأكثر تأثيرا في الشارع الايراني وتلقى نطرياته الدينية والمدنية قبولا واسعا في المجتمع الايراني بكل أطيافه ومعتقداته السياسية والدينية .
اطروحات وأفكار عديدة قدمها المفكر الدكتور شبستري تتعلق بالاسلام وصلته بالمفاهيم الأخرى نظير الاسلام والديمقراطية, والاسلا م السياسي ,والاسلام الأوروبي , والإسلام التجديدي , وكتب حول الشريعة الاسلامية ومواكبة التقدم العلمي وحول الاسلام السني والاسلامي الشيعي .
في إحدى مقارباته حول الاسلام والسياسية يقول الدكتور شبستري : يمكن لنا أن نتوقع من الدين مبادئا أخلاقية ينبغي مراعاتها في السياسة أيضًا. لكن لا يمكن أنْ نتوقّع من الدين برنامجًا سياسيًا من أجل بلوغ أهدافٍ اجتماعيةٍ معيّنة. الدين بحسب فهمي علاقة بين الإنسان والله، يتحدّث الإنسان فيها إلى خالقه ويستمع إليه، ويتحرّر داخليًا. لذلك أرى أنَّ الدين ليس برنامجًا سياسيًا والإسلام بدوره ليس كذلك .
أنا مع الرأي القائل بأنّ المؤسسات الدينية والمؤسسات السياسية هي مؤسساتٌ مختلفةٌ وذات مهام .
ويتابع الدكتور شبستري : ولكن هذا لا يعني أنَّ تديُّن الناس لا يمكنه أن يعطي السياسة دوافع أخلاقية ومعنوية. هذا ممكن، لذلك لا أقول أن السياسة والدين منفصلان عن بعضهما البعض، إنما أقول دائمًا إنه ينبغي أن تكون المؤسسات السياسية والمؤسسات الدينية منفصلة عن بعضها البعض. وبطبيعة الحال من الممكن لا بل وينبغي أن يكون بينهم تعاون .
وعن مدى علاقة المؤسسات الدينية وبعض المفاهيم الدينية الأخرى بالعمل السياسي اليوم يشير الدكتور شبستري الى هذه الأمور معتبرا أن مقولة لا يمكن فصل الدين عن السياسة مقولة خاطئة إذ لا يمكن استنباط هذه المقولة من القرآن أو السنَّة. ويعتبر شبستري ان هذا الفصل يُشكِّل في عصرنا واقعًا لا محيد عنه، لأن هذه المؤسسات قد تمَّ فصلها, سيما وأن المؤسسات السياسية والدينية كما نفهمها اليوم لم تكُن موجودةً على الإطلاق في عهد النبي،بل كان هناك ارتباط بين السياسة والدين في مجمل عالم ذلك العصر.
كان أسلوب الحياة في المدينة ومكة بسيطًا للغاية. وما حدث وقتذاك لا يمكن أنْ يكون مِثالاً يُحتذى به اليوم، حيث يعيش المسلمون في أنظمة اجتماعية ذكية يوجد فيها مؤسسات متنوعة ومختلفة تمامًا، ولأجل قيامها نحن بحاجة إلى تطوير خطة فعلية بالاستناد إلى العقل، وهي شيء لا يمكن استنباطه من القرآن .
وفي الربط بين الاسلام والديمقراطية يقول الدكتور شبستري : لطالما قلت إنَّ السؤال عما إذا كان الإسلام يتوافق مع الديمقراطية هو سؤال خاطئ. والسؤال الصحيح هو: هل يريد المسلمون الديمقراطية أم لا؟ وإجابتي هي: عندما يريد المسلمون الديمقراطية سوف يجدون تأويلاً إسلاميًا يتوافق مع الديمقراطية. وإن كانوا لا يريدون الديمقراطية فلن يجدوا هكذا تأويلا.
يعتمد الإسلام على التأويل، تمامًا كما هي الحال لدى أي دين آخر. والمؤولون هم أولئك الذين يقررون أسلوب تأويل هذا الدين، ويحددون هدف تأويلهم، ويحددون منهج التأويل. وإذا كان المؤولون أشخاصًا جيّدي المعرفة والعلم ويريدون تحقق الحرّية والديمقراطية وصون حقوق الإنسان، سوف يؤوِّلون الدين أيضًا على هذا النحو .
وعن حكم الديمقراطية في ظل الاسلام يقول الدكتور شبستري : يوجد في ألمانيا حزب "الاتحاد المسيحي الديمقراطي". فهل يمثّل الله السيادة العليا في هذا الحزب؟ الجواب نعم، رغم ذلك تعيشون في بلد ديمقراطي. إذن لا يمكن القول إنه عندما يؤمن إنسانٌ أو شعبٌ بأنَّ الله هو السيادة العليا، سوف يعني هذا تلقائيًا أنه ضد الديمقراطية. ولماذا ينبغي أن يكون الأمر كذلك؟ لا سيما وأنه يمكن للمرء أنْ يؤمن بأنَّ الله هو السيادة العليا، كما يمكن بالرغم من ذلك في الحياة الإنسانية وفي الحياة الاجتماعية القول: نعم، أنا حرٌّ، وأنت حرّ والآخرون كذلك أيضًا،فالأمر يتعلق هنا بالحرية بين بني البشر وليس بالحرية بين الله والإنسان. الحرية والديمقراطية يعنيان نظامًا معيّنًا يضبط العلاقة بين البشر. وهذا لا علاقة له بكون الله هو السيادة العليا. إذن لطالما يُساء استخدام الحجة القائلة: عندما يكون الله السيادة العليا، فلا مكان للديمقراطية. ولكن هذا غير صحيح .
وعن تطبيق الشريعة في ظل الديمقراطية يقول الدكتور شبستري : عندما يتم الحديث عن الشريعة في أوروبا يُنظر إليها باعتبارها بناءً جامدا. إلا أن الشريعة ليست كذلك. إنما هي مرتبطة بالفقهاء، أي بعلماء القانون الإسلامي الذين لهم حق وضع الفتاوى.
إذا كان هؤلاء الفقهاء يتمتعون بحرية التفكير، يمكنهم أن يفسروا الشريعة الإسلامية بحيث لا تكون عائقًا على طريق الديموقراطية. وأولئك الذين يذهبون إلى أبعد من ذلك، يمكنهم حتى أنْ يقولوا: يمكننا العثور في القرآن وفي السنَّة وفي الشريعة على مواضع تشجِّع على إقامة نظامٍ ديمقراطي .
ومفاهيم عديدة يتطرق إليها الدكتور محمد مجتهد شبستري حول مختلف القضايا الاسلامية والعصرية لا يمكن الإحاطة بها في هذه العجالة إلا أننا سنتطرق إليها في مقالات لاحقة أن شاء الله .
كاظم عكر