توقف كثيرون أمام تصريحات مسؤولين أميركيين أوحَت بأنّ الأمور في المنطقة لا تسير على ما يرام، خصوصاً لناحية الإصطفافات السياسية وتكوّن الأحلاف ومستقبل العلاقة مع إيران تحديداً.
بدأت التعقيدات تطغى على المشهد السياسي الأميركي مع شروع الكونغرس، بمجلسيه الشيوخ والنواب، في نقاش إتفاق الإطار النووي مع إيران عبر جلسات إستماع مغلقة بدأها مع وزير الخارجية جون كيري أمس وأمس الاول.توازياً، لفت قول زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس النواب كيفن مكارثي إنه لا يعتقد بأنّ مشروع تفويض الحرب ضد «داعش» الذي أرسله الرئيس باراك أوباما منذ اكثر من شهرين، يحظى بأصوات كافية ليُمرّر في مجلس النواب.
كلامُ مكارثي ترافق مع تجديد المتحدّث بإسم وزارة الدفاع الأميركية ستيف وارن القول، عشية وصول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الى واشنطن، إنّ الحرب ضد «داعش» ستستغرق سنوات وليس اسابيع او اشهر، مؤكّداً أنّ التنظيم يُحقّق تقدماً في العراق وسوريا على رغم خسارته ما بين 25 الى 35 في المئة من الأراضي التي احتلها في العراق قبل نحو عام.
لكنّ أكثر ما أثار التساؤل في كلامه أنه حين سُئِل هل ستلبّي واشنطن طلبات العبادي من الاسلحة، خصوصاً الطائرات المقاتلة والدبابات والصواريخ، إكتفى وارن بتعداد البنادق والطلقات والسترات الواقية التي زوّد بها العراق، «مع إستعداد بلاده للنظر في طلباته ليتمكّن من هزيمة «داعش»، او بالأحرى من طرده من العراق وخنقه في سوريا»!.
وتساءل معلّقون عن أسباب تراجع «الحماسة» الأميركية، توازياً مع قول المتحدِّثة بإسم الخارجية ماري هارف إنّ واشنطن تقاوم نفوذ إيران في المنطقة عبر استمرار العلاقة الامنية مع إسرائيل وتعزيزها، وإستضافة أوباما للقادة الخليجيين بعد أسابيع، وتعزيز أمنهم ودعم التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، والجيش اللبناني وفرض عقوبات على إيران لدعمها الإرهاب».
يرى المراقبون أنّ تلك التصريحات تعكس توتراً ملحوظاً في رؤية المخارج التي ستؤول اليها المفاوضات مع طهران، فيما قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برفع الحظر عن تسليمها صواريخ «اس 300» المتطوّرة يزيد من حدة التوتر في المنطقة.
فخلطُ الأوراق الجاري يوحي أنّ المواجهات قد تتعقد اكثر، بعد تراجع عدد من الدول الإقليمية الكبرى عن الإصطفاف في أحلاف لا تعكس وزنها ولا دورها، خصوصاً أنّ الحاجة اليها تكتسب أهمية إستثنائية مع الإنقسام العامودي الذي يزداد تركزاً بين مكوّناتها.
ويقول هؤلاء إنّ السعودية لا تستطيع وحدها قيادة تحالف يقوم على الإنقسام المذهبي، فيما الأطراف الأخرى تحتلّ موقعاً مركزياً. هذا لا يعني أنّ هناك تخلّياً عنها في مواجهة طهران، إلّا أنّ الحصص التي تطمح اليها تلك القوى لا تلبيها «عاصفة الحزم»، بل واشنطن.
تركيا التي تطمح الى دور إقليمي كبير لا يمكنها أن تكون طرفاً تابعاً في اليمن، فيما هي شريك مضارب في المنطقة، وتقليم أظافر طهران ممكن في سوريا والعراق، فيما لعب دور الوسيط في اليمن، يضمن لها حرية المناورة معها.
ولا يستبعد المراقبون حصول تغييرات ميدانية جذرية في المشهد السوري، خصوصاً أنّ أنقرة كرّست تفاهم الامر الواقع مع طهران حول سوريا، من دون أن تطيح بالتفاهمات السياسية والإقتصادية الأخرى معها، بعدما أقرضتها في اليمن.
ويربط هؤلاء بين ما هو متوقَع في سوريا وحديث الخارجية الأميركية عن تعزيز قدرات الجيش اللبناني ومعاقبة طهران لدعمها الإرهاب، ما يوحي أنّ المعارك التي يجرى الحديث عنها تكراراً في القلمون ليست أمراً مسلّماً به.
فواشنطن التي ترغب بتوقيع الإتفاق النووي مع إيران بدأت ربطه بملفات المنطقة، مع تصاعد لهجة قادتها، سواء تجاه تفسير بنوده او تجاه استعداداتهم لتوسيع مناطق نفوذهم، الامر الذي يصطدم يوماً بعد يوم بالقوى الأخرى، من تركيا الى باكستان.
وفيما ترجّح تلك الأوساط أن تراوح «عاصفة الحزم» في اليمن، تقول إن التدخل البري مستبعَد الآن ما لم يجرِ الضغط على طهران في مناطق أخرى.
بهذا المعنى، فإنّ حرب اليمن مرهونة بالحرب التي ستستعر في سوريا وبما سيطرأ في العراق، خصوصاً أنّ «درس تكريت» غير المكتمل أظهر حدود القوّة الإيرانية وإمساكها بالعواصم الواقعة تحت تأثيرها.
وإذا كانت واشنطن تتحدّث عن سنوات لحلّ مشكلة «داعش» فما بالنا بتسويات المنطقة، ما يعني أنّ الرهان على حلول سريعة أمر شبه متعذّر.