من المنتظَر أن تفرمل «الترجمة الإيرانية» الجديدة لتفاهم لوزان إندفاعة بعض اللبنانيين الذين سبقوها في إعلان الإنتصارات نيابة عنها والإسراع في ترجمتها لبنانياً وسوريّاً امراً واقعاً جديداً. فـ «الترجمة الأميركية» تُسقط كثيراً ممّا بُني من أوهام على الرمال. فلماذا إستعجال المراحل وحرقها؟
«الترجمة الجديدة» التي قدّمها أمس الاول المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية السيد علي خامنئي لـ«الإتفاق الإطار» الذي تمّ التوصل اليه في لوزان إتّسمت بعقلانية وألقت بظلالها على التطورات، خصوصاً عندما قال: «إنّ ما إتُفِق عليه الى اليوم ليس الإتفاق النهائي وما من ضمانات لمحتواه حتى وصول المحادثات الى نهايتها».واضاف: «أنّ تقديم التهاني اليوم لا معنى له، والطرف المقابل قد يسعى الى محاصرة بلادنا في التفاصيل». وهذا الموقف دفع مراجع ديبلوماسية الى التساؤل كيف أنّ قادةً لبنانيين إحتفلوا بـ»الإنتصار النهائي» رافضين انتظار المرحلة الإنتقالية التي نصّت عليها تفاهمات لوزان.
تزامناً أكد الرئيس الإيراني الدكتور حسن روحاني في مناسبة «اليوم الوطني للتقنية النووية» في إيران «أننا لن نوقع أيّ اتفاق إلاّ في حال رفع كامل الحظر الإقتصادي فوراً».
وإستناداً الى مضمون المواقف الإيرانية الجديدة يسود إعتقادٌ بأنّ بعض القيادات اللبنانية ذهب بعيداً في تفسيره للإنتصارات سعياً الى ترجمتها سريعاً في بيروت ودمشق وفرض أمر واقع جديد قبل التثبت ممّا ستكون عليه التطورات في هذين الشهرين لمعرفة اتجاه الريح وما يمكن أن يعقب «الإتفاق الإطار» من خطوات يستلزم تنفيذها انتظاراً لفترة انتقالية، ولا سيما منها تلك المتصلة بتوزيع مواقع النفوذ بين إيران وأطراف الإتفاق من الدول الغربية والولايات المتحدة.
وإذا صحّ ما يُقال عن أنّ الحوار الإيراني ـ الغربي لم يتناول بعد حتى الآن الأزمات الإقليمية والدولية التي ارتبطت به، فإنّ استعجالَ قيادات لبنانية ترجمة ما إعتبرته انتصاراً لهذا المحور أو ذاك، ليس في محله، لأنّ في الصبر ونعمة الإنتظار ما يستدعي التروي لئلّا تنعكس القراءات الخاطئة على ما تحقق من أمن وإستقرار في لبنان. فالجميع يعرف أنّ المظلة الدولة الحامية للبنان لها سقوفها ويمكن أن تختلّ في أيّ لحظة ما لم يلاقها اللبنانيون بما يكفي من إجراءات الحماية الداخلية لتحصينها وعبور المرحلة بأقل خسائر ممكنة.
وعليه، فقد رأت المراجع الدبلوماسية في زيارة المبعوثين الإيرانيين لباكستان ولبنان ما يوحي بأنّ إيران مهتمة بالملفات الإقليمية والدولية قبل الملف الإيراني. فهي تعتبر أنّ هذا الملف هو همّ إيراني لا يتجاوز اهتماماتها الى الحلفاء في العالم، فتحرّكت لمواجهة تداعيات الأزمات الدولية، ولا سيما منها الأزمة اليمنية، والمواجهة التي بدأت بين التحالف العربي ـ الإسلامي بقيادة السعودية من جهة وبين إيران من جهة أخرى.
وعليه، تعتقد المراجع الديبلوماسية أنّ ما يُجرى حالياً قد تجاوز الإتفاق النووي الموقت الى المباشرة في حلحلة العِقَد الأخرى، وهو ما يظهر من خلال التأكيدات الغربية بأنّ المطلوب من إيران الآن التجاوب مع الطروحات الدولية حول عدد من الأزمات التي تشكل طرفاً فيها قبل فكّ العقوبات، ولا يمكن للعالم أن يثق بها إذا إستمرت بأدوارها في المناطق المأزومة، فهي لن تكون معزولة عن مقتضيات التفاهم النووي بمقدار ما هي مكمِّلة له.
ومن هنا يمكن فهم دعوة الخامنئي الى التريّث في تقبّل التهاني وتحذيره من شياطين التفاصيل، وما على اللبنانيين، وتحديداً أصدقاء إيران وسوريا، إلّا التريث في اتخاذ المواقف التي لا يمكن البناء عليها قبل فهم مقتضيات المرحلة المقبلة وهي قصيرة، وما على لبنان سوى انتظار ما ستحمله من مفاجآت لعلها تنعكس ايجاباً فتنتهي مراحل درب الآلام اللبنانية لترقب مرحلة القيامة والتي لن تبدأ قبل التفاهم على انتخاب الرئيس العتيد للجمهورية.