تتوالى فصول المأساة في اليمن تصعيدا" و تأزما"، ما يشير إلى أن أمد اﻷزمة سيطول ، و يؤكد أن الأيام القادمة ستحمل في طياتها تطورات درامية ، قد تأخذ منحى" خطيرا" ، إذا ما قرر التحالف ، التدخل برا" ، ﻷن ذلك يعني ، انفتاح اﻷزمة على عدة سيناريوهات ، أقل ما يقال فيها ، أنها جميعها كارثية بكل المقاييس .
و في هذا السياق ، و في استشراف واقع المستجدات ، نقول أن التحالف الذي تقوده السعودية ، أمام خيارين لا ثالث لهما :
فإما أن تقتصر عاصفة الحزم ، على الضربات الجوية ، التي لن تؤدي في نهايتها ، إلى أي نتائج سياسية فعلية ، خلا مزيد من الخسائر البشرية ، و مزيد من الدمار في المنشئات الحيوية و البنى التحتية اليمنية .
و بهذا يكون التحالف قد خطا خطوة غير مدروسة النتائج و لا أفق سياسي لها .
و إما أن يتخذ قرار التدخل البري ، و هذا بدوره يشكل مسألة خطيرة قد تؤدي إلى تحولات و تداعيات لا تحمد عقباها ، هذا عدا عن ألخسائر البشرية التي ستطال التحالف ذاته .
و حيال هذا المشهد ، فإن السعودية تكون قد أوقعت نفسها في المحظور ، وتكون في الوقت نفسه قد ارتكبت خطيئة ، تتجاوز بأضعاف الخطأ الايراني .
فإيران ، و رغم كل المآخذ التي تسجل عليها حيال مقاربتها الشأن اليمني ، فإنها عرفت كيفية تحقيق أهدافها ، دون أي تجاوز للخطوط الحمراء ، و ذلك من خلال دعمها ( المستتر ) نوعا" ما ، للفصائل التي تدور في فلكها ، و أيضا" من خلال تحاشيها ﻷي تدخل مباشر على اﻷرض اليمنية .
و كان من اﻷحرى للسعودية ، أن تعتمد النهج الايراني نفسه ، فتقوم بتقديم كل ما من شأنه تقوية حلفائها في اليمن دون خوض مغامرة التدخل العسكري المباشر .
إن السياسة السعودية تجاه اليمن ، لم تكن على قدر اﻵمال و المطامح ، ليس في هذا العهد فقط ، و لكن في العود الماضية أيضا" .
هذه السياسة ، و طوال عقود ، لم تول اليمن رعايتها و عنايتها المرجوتان ، و ذلك يرجع ، برأينا ، إلى ذهنية ساسة الخليج ، المتعالية ، تجاه البلدان الفقيرة كالسودان و اليمن .
إن سياسة اﻹهمال التي انتهجتها السعودية تجاه هذه البلدان ، هي من شرع اﻷبواب أمام تدخل دول عديدة ، و هي من أحدث ثغرات واسعة ، استغلتها هذه الدول للنفاذ منها إلى الداخل العربي ، و هذ أيضا" ما سمح ﻹيران أن تصبح لاعبا" رئيسيا" على ساحة تلك البلدان .
و اللوم هنا لا يقع على إيران ، ﻷنها ، كغيرها من الدول ، تسعى ﻷن يكون لها موطئ قدم أينما توفر لها ذلك .
إن السياسة السعودية الحالية ، تجاه العالم العربي بالذات ، بحاجة إلى مراجعة جادة ،و إعادة ترتيب لﻷولويات ، و اعتماد سياسة التوطئة و النفس الطويل ، و ذلك من خلال استثمار مقدراتها الهائلة في ايجاد بيئة حاضنة ، تقوم من خلالها بتنفيذ سياساتها ، دون الحاجة الى اعتماد أساليب متسرعة قد تلحق اﻷذى بمصالحها في وقت لاحق .
آما آن للسعودية أن تعي أن دورها المرجو أكبر يكثير مما تمثله حاليا" ، و أن هذا لا يتأتى إلا بمقاربة جديدة ، قوامها العلم و العمل و اﻹعتدال و المبادرة .
و يبقى أن نقول ، أن السعودية بعد عاصفة الحزم لن تشبه السعودية قبل عاصفة الحزم ، فيا ترى أي شكل سيكون للسعودية بعد انقشاع غبار هذه العاصفة ؟