لو سلمنا جدلا بان التوقيع الذي جرى في لوزان بين إيران والدول الست هو انتصار مبين للسياسة الإيرانية، وذلك على الطريقة “الممانعتية” أي من دون الرجوع حتى للدخول في مضامين هذا الاتفاق وما يحتويه، بالخصوص ببنوده العملية المتعلقة بالتخصيب ونسبه او أعداد أجهزة الطرد المسموح بالاحتفاظ بها وما الى ذلك.
لو تخطينا كل تلك النقاط التي شكلّت موضع التحاور بين الطرفين لمدة تزيد عن 11 عاما، وقفزنا الى ما اعتبره الشعب الإيراني الإنجاز الأهم الا وهو رفع العقوبات التي كان يعيش تحت وطأتها طيلة تلك الفترة وما سببته من اضرار بالغة في الاقتصاد الإيراني (عكس ما كان يدعي مسؤوليه) مما جعل هذا الشعب يعيش حالة من الفقر والعوز بالرغم من الامكانبات الضخمة التي تمتلكها بلاده، قد نفهم في هذه الحالة معنى ان ينزل المئات من الإيرانيين الى الشوارع وبشكل عفوي للاحتفال بهذا الحدث.
اذ لا شك ان رفع العقوبات ولو بالشكل التدريجي كما جاء في بنود الاتفاق سينعكس إيجابا على حياته اليومية وعلى اقتصاد بلاده وهذا ما يصبو اليه الشعب الإيراني الآن، وهذا ما كان اكد عليه الرئيس الإيراني الأسبق حين وصف مسودة الاتفاق التي اقرّت منذ اشهر بأنها تشكل خشبة الخلاص التي تنقذ الشعب الإيراني من الهلاك.
وتجدر الإشارة هنا الى نقطة جد مهمة، وهي بأن الدول الكبرى لا تتعاطى مع الدول الأخرى وان كانت تلك الدول بموقع الخصومة كايران او كوبا على أساس السعي الى سحقها نهائيا، وانما كل ما تريده هو الوصول الى اخضاعها او احتوائها، وهذا تماما ما جرى مع كوبا، اذ تؤكد كل تقارير الأمم المتحدة وغيرها بان كوبا كانت لا تستطيع الصمود اكثر من ستة اشهر لتصل الى لحظة الانهيار الكلي والذي يمكن ان يشكل خطرا إضافيا للاميركي، فجاء الاتفاق معها في هذه اللحظة كمصلحة مشتركة للبلدين طبعا كما يريده الاقوى.
وعليه يمكن فهم الفرحة العارمة التي عبر عنها الشعب الإيراني بإزاحة كاهل العقوبات الثقيل عن اكتافه، واما ما لا يمكن فهمه على الاطلاق هو هذا الشعور بالفرح الذي عم بعض اللبنانيين، بالخصوص تحت ظل ما نعيشه من أزمات على كل المستويات ابتداءا من الفراغ الرئاسي ووصولا الى الشق الاقتصادي المتردي (واخره إضافة 5 مليارات على الدين العام ولو اطلق عليه وزير المال “صفة الإنجاز المهم” للبنان عبر اصدار سندات اليوروبند). هذا فضلا عن النار السورية التي تزداد شراراتها اقترابا منا وما يحكى الان عن حشود غير مسبوقة لحزب الله تحضيرا لمعركة القلمون وما لا يعد ولا يحصى من أزمات.
في خضم كل هذا الوضع المزري عندنا، يخرج البعض ليخبروننا عن هذا الاتفاق وكأنه انجاز تاريخي على الرغم من اننا لا ناقة لنا فيه ولا جمل، ولن تكون له أي تداعيات إيجابية على بلادنا ومجتمعنا واوضاعنا اقله بالمدى المنظور. وكأن جماعة الممانعة عندنا قد ارتضوا بان يكونوا ليسوا مجرد ادوات للمشروع الإيراني، بل اكثر من ذلك فقد ارتضوا لانفسهم ان يتحولوا الى مجرد مرتزقة لا قيمة لها وبان يرهنوا انفسهم وبلادهم لتحقيق مصالح إيرانية صغيرة.
لان المنطق السليم في هذه اللحظة كان يجب ان يتبلور عند الممانعين لو كانوا حقا أصحاب مشروع او ان الإيراني يتطلع لهم ليس كموظفين عنده بسؤال كبير الى حد الاستهجان والاستنكار والدهشة يوجهه هؤلاء الى سيدهم الإيراني: لقد تصالحتم مع الشيطان الأكبر وحققتم انتم ” الانتصار” ، فماذا عنا؟