لا تزال التحضيرات تتوالى على الجبهة الشرقية بين لبنان وسوريا لما بات يُعرف بـ"معركة الربيع". في المقلب الغربي للقلمون السورية، تتحصّن المجموعات المسلحة على طول الحدود مع لبنان وفي محيط بلدة عرسال، أكبر البلدات اللبنانية على المستويين الجغرافي والسكاني وهي حاضنة للمعارضين السوريين. تعيش البلدة على وقع "المعركة" المنتظرة وباتت إلى حد كبير جزءاً منها نتيجة عوامل ووقائع كثيرة. فالمسلحون الإسلاميون من تنظيم "داعش" وجبهة النصرة وغيرهما، تمددوا إليها وخاضوا فيها أكبر معاركهم في لبنان بعدما سيطروا على البلدة وانسحبوا منها في آب الماضي، ولا يزالون يحتفظون بورقة العسكريين اللبنانيين المخطوفين لديهم.

 

قبل أسبوعين، قتل آل عز الدين (من أكبر العائلات في عرسال) المسؤول الأمني في "داعش" ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﺮﻧﻜﻮﺳﻲ ﺍﻟﻤﻠﻘﺐ ﺑـ"أبي ﻋﻤﺮ ﺍﻟﻄﺮﻃﻮﺳﻲ"، بعد تصفية التنظيم لأحد أبناء العائلة. دخلت مجموعة مسلحة من العائلة إلى أحد مخيمات النزوح وعمدت إلى تصفية الرنكوسي، ليتبيّن لاحقاً أنه كان بحوزة الرنكوسي لوائح معدّة ومفصّلة عن عشرات المواطنين في عرسال تشوبهم "ملاحظات أمنية" خاصة بـ"داعش".

 

كما يتبيّن أيضاً أنّ "داعش" يعمل بأساليب أمنية شبيهة بعمل أجهزة الاستخبارات، تحديداً البعثية منها، كما يُشبّهها عدد من أهالي البلدة، إذ يعمل المسؤولون فيه على إعداد لوائح اسمية للمواطنين اللبنانيين واللاجئين السوريين، تصنّفهم أمنياً بحسب انتماءاتهم الحزبية وخياراتهم السياسية.

 

"اتهامات بالتنسيق مع الجيش وحزب الله والنظام"

تكشف اللوائح، التي حصلت "العربي الجديد" على مضمون ثلاث منها، تقسيم "داعش" لعشرات العرساليين وفق معايير عدة، أبرزها: "الزواج من شريك ينتمي للمذهب الشيعي، تقييم الأداء والتحركات في معركة آب الماضي ومكان التواجد خلالها، مهنة المواطن، أملاكه والسيارات التي يتحرّك بها، بالإضافة إلى وتيرة التردّد إلى البلدة والأحياء فيها. أي أنّ للتنظيم عيوناً وأذرعاً محلية تعمل على تقديم كل المعلومات عن الأشخاص "المتشبه بهم".

 

وتلفت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إلى كون بعض الأسماء مقرونة بالألقاب المحلية المعروف وفقها المواطنون المدرجة أسماؤهم على هذه اللوائح.

 

وتشير لوائح "داعش" إلى أنّ أصحاب الأسماء "يتعامل" كل منهم مع واحد أو أكثر من هذه الأجهزة الرسمية والحزبية: النظام السوري، حزب إيران (حزب الله)، سرايا المقاومة (المجموعات التي يدعمها ويسلحها حزب الله واجتاحت المناطق اللبنانية في أيار 2008)، الاستخبارات العسكرية اللبنانية، فرع المعلومات (تابع لقوى الأمن الداخلي ومحسوب على تيار المستقبل وقوى 14 آذار). أما الاتهامات المباشرة الموجهة إلى هؤلاء فتتفاوت بين مسؤولين في سرايا المقاومة، تسليم المقاتلين الإسلاميين للأجهزة اللبنانية أو حزب الله، تقديم معلومات عن التحركات العسكرية وانتشار المسلحين، تهريب سوريين موالين للنظام بالإضافة إلى تقاضي رواتب شهرية من الأطراف المختلفة المذكورة أعلاه.

 

كذلك لحظت اللوائح وضع خطوط حمراء تحت بعض الأسماء في إشارة إلى خطورتها أو ضرورة الحذر منها أو التشدّد في مراقبتها.

 

وتأتي هذه التطورات بعد ثمانية أشهر على معركة عرسال الأولى، وفي وقت لا تزال فيه القوى المسلحة اللبنانية خارج البلدة وتنتشر على التلال المحيطة بها وتكتفي بقطع الطرقات الرئيسية التي تربط بين المناطق السكينة فيها والجرد حيث يعمل الأهالي في أراضيهم الزراعية ومقالع الحجر وحيث ينتشر أيضاً المسلحون على بعد مئات الأمتار من مراكز الجيش اللبناني.

 

ونتيجة هذا الغياب الأمني، تتفاعل الأحداث داخل عرسال بين الأهالي واللاجئين السوريين والمجموعات المسلحة، لتسجّل تجاوزات بشكل شبه يومي، كان أبرزها حادثة "داعش" وآل عز الدين التي سقط نتيجتها حتى كتابة هذه السطور أربعة قتلى.