في وقتٍ يُستكمَل محو الحدود بين الدوَل العربية، يأخذ الجيش اللبناني قراراً عسكريّاً واضحاً وصارماً بعزل الحدود عن تأثيرات المعارك السوريّة، مغَطّىً بقرار سياسيّ مِن الحكومة، وبدعم أميركي بالأسلحة، لتمكينِه من مواجهة أيّ طارئ، خصوصاً مع إقتراب معركة القلمون.
تعتبر العملية النوعيّة التي نفّذها الجيش اللبناني يوم الجمعة الماضي، وسيطر فيها على تلال جديدة في عرسال، إستكمالاً للسياسة التي تتّبعها المؤسسة العسكرية والقاضية بقضم التلال الإستراتيجيّة تدريجياً لتضييق الخناق على المسلحين وإبعادهم عن الحدود.
وتتزامن عمليات الجيش وخطته على حدود السلسة الشرقيّة، مع تحضيرات «حزب الله» والجيش السوري لشنّ حرب ما بعد ذوبان الثلج. لكنّ بعض التحليلات ذهب إلى حدّ اعتبار لبنان جزءاً من المعركة المنتظَرة، في محاولةٍ لتوريط الجيش في حرب هو بغِنى عنها.
كلّ المؤشّرات تدلّ إلى انتهاء الحزب والنظام من الاستعدادات الميدانية لحرب طويلة غير محسومة النتائج في القلمون، لأنّ تجاربَ المعارك السورية تؤكّد بما لا يقبل الشكّ أنّها معارك كرّ وفَرّ، يُساهم بعض الضبّاط السوريون في رسم سيناريوهاتها.
الزبداني ومنطقة القلمون والبلدات المتاخمة، على موعد مع صوت المدافع، ولبنان ينتظر ما ستؤول إليه هذه المعركة. وفي السياق، يؤكّد مصدر عسكري رفيع لـ»الجمهورية»، أنّ «الجيش لا دخلَ له لا من قريب ولا من بعيد بهذه الحرب، لأنّها تحصل داخل الأراضي السوريّة، وليس في الأراضي اللبنانية»، نافياً نفياً قاطعاً «أيّ تنسيق بين الجيش اللبناني من جهة، و»حزب الله» والجيش السوري من جهة أخرى».
ويشير المصدر إلى أنّ «الجيش يقوم بواجباته كاملةً على الحدود، وعملية الجمعة تأتي في هذا السياق. كذلك، ينفّذ سياسة الحكومة اللبنانية، وقرارُها الواضح بعدم التنسيق مع النظام السوري»، لافتاً الى أن «أحد أهم أسباب نجاح معركة الحدود، هو التناغم بين السلطتين السياسية والعسكرية».
هناك أسباب كثيرة تدفع الجيش اللبناني إلى عدم التنسيق مع الجيش السوري ودخوله في معركة القلمون، حيث يؤكّد المصدر أنّ «المعركة بعيدة كلّ البعد عن حدود لبنان، وستحصل على أطراف الزبداني، وبالتأكيد الجيش لن يدخل إلى الحدود السورية لمحاربة المسلّحين، لكنّه في المقابل استعَدَّ لمواجهة أيّ تداعيات لهذه الحرب أو أيّ هجوم قد يحصل على طول الحدود البقاعية».
ويلفت المصدر العسكري إلى أنّه «بعد معركة القصَير ويبرود، تمَّ «دفش» المسلّحين في اتّجاه جرود عرسال، فتمركزوا هناك، آخذين من المنطقة معبَراً وممرّاً لهم، فاضطرّ الجيش إلى مواجهتم، وتعاملَ مع الموضوع بحَزمٍ»، مشدّداً على أنّه «في كلّ معارك الحدود لم يتمّ التنسيق مع أيّ فصيل عسكري أو الجيش السوري، فكيف الحال الآن بعدما عزّز الجيش مراكزَه بالعدّة والعَدد؟».
ومع انطلاق معركة الزبداني، سينتقل الخطر إلى قرى شرق زحلة، وفي هذا الإطار يوضح المصدر أنّ «الجيش عزّز مراكزَه في شرق زحلة، واستقدمَ المدفعيات والراجمات، والأسلحة الحديثة، متحسّباً لأيّ هروب مسلّح من الزبداني نحو جرود شرق زحلة على غرار الهروب المسلّح من القصَير إلى عرسال، وما نتجَ عنه من تداعيات لاحقة ما زلنا نعيش تردّداتها حتّى الآن».
ويُطمئن المصدر إلى أنّ «التعزيزات في شرق زحلة توازي التعزيزات التي يقوم بها الجيش في عرسال ورأس بعلبك، وهو يَنتظر المسلحين إذا ما قرّروا خَرقَ الحدود، وهذه التطمينات، نَقلها قائد الجيش العماد جان قهوجي إلى الأهالي أثناءَ زيارتهم الأخيرة له في اليرزة، ويَنقلها يومياً الضبّاط الموجودون في المنطقة».
يقوم الجيش بالحسابات الميدانية للمعركة المحتمَلة، ويَضع أمامه كلّ الاحتمالات، وهو يعمل على تعزيز المراقبة البرّية للحدود، مستخدِماً التقنيات الحديثة، خصوصاً مع الأسلحة الأميركية التي تصل تِباعاً، وهو يستفيد من تسليح واشنطن، ومِن القرار الأميركي والدولي بإبقاء الساحة اللبنانية هادئةً، وتحييدها عن صراعات المنطقة التي تشتدّ يوماً بعد يوم.
ويَعتبر القرار الدولي بتحييد لبنان سلاحاً إضافياً يَدعم صمودَ الجيش على الجبهات، ويساعده على تمرير هذه المرحلة بأقلّ خسائر ممكنة.
المصدر: لبيانون فايلز