في ظل التحديات الصعبة التي تعيشها أمّتنا العربية والإسلامية في هذه اللحظة التاريخية التي تعاني فيها من تحكم الاستعمار وأنظمة الفساد والاستبداد والتبعية ومن تدخل وعدوان خارجي يستهدف أكثر من قطر، ومن بروز حركات التطرف والغلو والتكفير والتكفير المضاد والإقصاء التي ملأت أكثر من ساحة عنفاً ودماً وتدميراً، التأم في بيروت عاصمة المقاومة والتحرير والكرامة المؤتمر القومي – الإسلامي في دورته التاسعة يومي السبت والأحد في 8 - 9 جمادى الآخر 1436ه، الموافق 28 - 29 آذار/مارس 2015م، بحضور عدد كبير من شخصيات وقادة التيارين القومي والإسلامي وكلهم أمل وعزم على إعادة تصويب المسار واجتراح ما يلزم من أفكار لإخراج الأمّة العربية من الدرك الذي وصلت إليه واقتراح الحلول لتجاوز الأوضاع الكارثية التي أضحت تعاني منها على جميع الأصعدة مؤكدين على الثوابت ومعاهدين أبناء أمتهم على ضرورة مواصلة العمل من أجل النهوض حتى تؤسس أمّتنا مكانتها المحترمة تحت الشمس في ظلّ عالم لا يرحم الضعفاء والمتخاذلين.
وإذ يسجّل الحاضرون الأجواء الإيجابية التي سادت المؤتمر والتي كانت في جوهرها متطلعة لتجاوز مآزق الأمّة المختلفة، مستشعرين أهمية النقد الذاتي والمقاربة الموضوعية للقضايا المختلف بصددها والعمل على توسيع دائرة المشترك ومداخله، قضايا كثيرة ومتنوعة تبتدئ بالتصدي لمحاولات الالتفاف على أولوية تحرير فلسطين وكافة الأراضي العربية المحتلة، ومواجهة المشروع الصهيوني والتدخل الخارجي بما في ذلك القواعد العسكرية الأجنبية، والعمل على الانخراط في مسيرة تجسيد معالم المشروع النهضوي العربي القائم على الوحدة والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان والاستقلال الوطني والقومي والتنمية المستقلة والتجدد الحضاري، وقد سجل الحاضرون ما يلي: - يأتي انعقاد المؤتمر في مرحلة بالغة الدقة والحساسية، مما يمثل استشعار التيارين لمخاطرها على الأمّة، وقد انعكس ذلك في أجواء الوعي والحكمة التي جسّدها المشاركون من التيارين وفي المناقشات الهادئة التي جرت التزاماً بروح المسؤولية التاريخية. - تتمثل أهمية انعقاد هذا المؤتمر الذي جمع التيارين الأساسيين داخل الأمّة (القومي والإسلامي) في تأكيد الحاضرين على أهمية مبادئ الحوار والتواصل والتكامل والتشارك والتوافق والتداول السلمي على السلطة، والتعاون بين الجميع والانطلاق من المشتركات والعمل على توسيعها وتحديد الأولويات وترتيبها.
مع الدعوة لمواجهة المشاكل والقضايا العالقة في أكثر من بلد بالحوار والحلول السلمية بين أبناء الوطن الواحد بعيداً عن الإقصاء والعنف والتدخل العسكري، لأن الحروب تستنزف الجميع وتفتح المجال أمام التدخل الخارجي للعبث بأمن البلاد والعباد.
- استمرار العمل على بناء الكتلة التاريخية للأمّة، وهي الكتلة التي يشكل التياران نواتها الصلبة لاستكمال تحقيق أهداف الأمة العربية في الحرية والوحدة والكرامة والعدالة الاجتماعية وتحرير فلسطين وباقي الأراضي العربية المحتلة، مشرقاً ومغرباً.
- التأكيد على أولوية قضية فلسطين باعتبارها القضية المركزية للأمّة وبوصلة نضالاتها، والعمل على تكامل الجهود بما يخدم مشروع التحرير، مع تجاوز التناقضات الصغيرة والتفرغ لمواجهة التناقض الأكبر مع المشروع العنصري الصهيوني الذي يشكل الأداة الأخطر للإمبريالية الغربية في تكريس التبعية لمراكز الهيمنة الرأسمالية الدولية.
- دعوة الأمّة للدفاع عن القدس وحماية مقدساتها الإسلامية والمسيحية، ومواجهة خطر التهويد، والعمل على الإفراج عن كل الأسرى والمعتقلين في السجون الصهيونية. - ضرورة الرفع الفوري للحصار الظالم على أهلنا في قطاع غزّة والتسريع بالإعمار إنقاذاً لشعبنا هناك من الظروف الصعبة التي يعيشها منذ أزيد من عشر سنوات من الحصار والإرهاب الصهيوني، والتوقف عن استخدام الإعمار وسيلة لابتزاز الشعب الفلسطيني ومقاومته البطلة.
- التأكيد على ضرورة مواجهة التطبيع، بكافة أشكاله، مع كيان الاحتلال الصهيوني، ومع الصهاينة، ودعم حركة مقاطعته في الوطن العربي والعالم الإسلامي وعبر العالم، إيماناً بجدوى تلك الإستراتيجية التي أسقطت نظام الأبارتايد العنصري في جنوب إفريقيا، وانخراطاً في حركة عالمية لمقاطعة الكيان ما فتئت تنمو وتتطور.
- التأكيد على خيار المقاومة ودعمها، مقاومة الاحتلال الصهيوني ومقاومة التدخل العسكري الأجنبي، باعتبارها حقاً مشروعاً وواجباً وطنياً وقومياً ودينياً وخياراً استراتيجياً قادراً على تحقيق الانتصارات، كما تمثل ذلك في النجاحات والإنجازات التي حققتها المقاومة في كل من فلسطين ولبنان في مواجهة الاحتلال الصهيوني وضد الاحتلال الأمريكي في العراق لإسقاط مشاريعه وكسر استراتيجيته العدوانية. في مقابل فشل خيار التسوية الذي كان مدخلاً لاستشراء الاستيطان والتهويد، كما للإذلال وضياع الحقوق وتكريس الصراعات الداخلية على حساب أولوية التناقض مع العدو الاستراتيجي.
- في مواجهة مخاطر التفتيت والتجزئة الطائفية والمذهبية التي يسعى أعداء الأمّة إلى إذكائها وتكريسها كتناقضات استراتيجية بين أطراف الأمّة الواحدة، يؤكّد المؤتمر على ضرورة التكامل العربي والإسلامي الذي يحصن أمّتنا وقضاياها، ويحمي تنوعها الخلاق ويضمن كرامة الجميع على أساس من المواطنة والاحترام المتبادل، تكامل يحمي وحدة الأوطان ويفتح أمامها آفاقاً لتحقيق وحدة أكبر يعمّ خيرها الجميع.
- العمل على بناء أسس متينة للعلاقة بين الوطن العربي ودوائر جواره الحضاري الإيراني والتركي والإفريقي بحكم الانتماء إلى نفس الدائرة الحضارية، واعتماد الحوار والتواصل ومعالجة القضايا المختلفة بينها بما يضمن مصالح الجميع ويسدّ منافذ التدخل الخارجي بمخاطره المتعدّدة، ما من شأنه تحقيق الاستقرار والمساهمة في بناء استراتيجية لمواجهة المشروع الصهيوني والاختراق الأجنبي الأمني والعسكري والثقافي لمنطقتنا، وجعل تلاقي هذه الدوائر أفقاً لبناء عالم متعدد الأقطاب يتجاوز مآسي مرحلة الهيمنة الغربية.
وإذ يؤكّد المؤتمرون أن الاختلاف والتعدد سمة جوهرية من سمات أمّتنا، مما يجعل من التطابق في الأفكار والرؤى عملية متعذرة التحقيق سواء داخل التيار الواحد – قومياً عربياً كان أو إسلامياً – أو بين التيارين، مما يتطلب التأكيد على مدخل الفهم المشترك للقضايا والانطلاق مما هو متفق عليه وتوسيع دائرته، مع التحلي بأخلاق الحوار، وهو الأمر الذي سيفتح أبواب واسعة للعمل تنمي المساحات المشتركة وتقلص عوامل الاختلاف وتعزز الحوار الفكري، مما سينعكس بشكل إيجابي على القضايا التي تعاني منها أمّتنا، تأكيداً لمبادئ تأسيس هذا المؤتمر وأهدافه عام 1994، والتي أثبتت عشرون سنة من وجوده صوابية هذا المنظور وعقلانيته المنتجة، وما يمكن أن يصيب الأمّة من خراب متصاعد في حال التخلي عنه. وقد شكّل هذا المؤتمر محطة لإنجاز الاستحقاق الانتخابي، حيث جرى انتخاب الأستاذ خالد السفياني (المغرب) بالإجماع منسقاً عاماً للمؤتمر.
كما تمّ انتخاب لجنة متابعة من ستة وعشرين عضواً من مختلف الأقطار العربية.
وقد أوكل المؤتمر إلى المنسق العام ولجنة المتابعة المنتخبين وضع آلية لإنجاز مهام المؤتمر في المرحلة القادمة