أخيرا، كثر “الدق” الايراني فكّ “اللحام” العربي. فهذا هو المسار الطبيعي جدا للامور. إذ أنّ الغرور الايراني والاستعلاء الفارسي ورائحة العجرفة التي فاحت من تصريحات المسؤولين الايرانيين والتي ملأت كامل اجواء المنطقة في الاشهر والاسابيع السابقة، وصلت إلى درجة أنّه قد ظنّ كثيرون بأنّ المنطقة خالية من اهلها، وأنّ الحكام العرب لا يمكنهم حتى الدفاع عن عروشهم وقصورهم كأقل الايمان.
وبناء على هذا الاعتقاد الطفولي غير المستند إلى أيّ من المعطيات او القراءات السياسية، راح الايراني يبسط سيطرته على كامل اليمن بغية الوصول الى باب المندب، لاحكام الطوق على كامل دول الخليج ومهددا اهم ممر بحري عالمي يعبره يوميا ما لا يقلّ عن 65 % من سفن النفط إلى كل بقاع العالم.
بهذه البساطة تعاطى الايراني بالموضوع اليمني، ضاربا بعرض الجدار كل النصائح والنداءات والتمنيات من الاصدقاء كما الخصوم، وادار لها الاذن الصماء بفضل ضجيج بروباغندا إعلامية جوفاء تحاكي غرور العظمة ومشاعر الامبراطوريات الوهمية.
ولعلها بالامس ليلا، ومع اعلان الملك سليمان بن عبد العزيز ساعة الصفر لإطلاق “عاصفة الحزم“، ومع هدير مئات الطائرات الحربية التي غطت سماء اليمن، وسحقت خلال ساعات قليلة كل الدفاعات الجوية الحوثية، استفاقت طهران على واقع جديد وعلى حدث جلل لم يكن بحساباتها أدّى الى قلب المشهد رأسا على عقب.
هذا الرد “الصفعة” صدم الجنرالات الايرانيين. فباتوا وكأنّ على رؤوسهم الطير، خصوصاً مع الاخذ بعين الاعتبار عدد الدول المشاركة بالغارات، خصوصاً دخول مصر وباكستان على خط المواجهة، ما يحتّم على طهران اعادة كل حساباتها بتروي والوقوف ملياً على ما اقترفته يداها. والسؤال الكبير الآن هو عن الموقف الايراني الميداني، وكيف سيكون الردّ إن هي قررت الاستمرار في المواجهة مع العالم العربي عشية توقيع الاتفاق النووي.
من الثابت عند معظم المراقبين ان النظام الايراني يعتمد في كل حروبه على الآخرين، وبالتالي على أذرعه التي انشأها في المنطقة ابتداءً من حزب الله في لبنان وصولا الى المجموعات الشيعية على امتداد العالم العربي. وهنا يبرز التخوف الكبير من استعمال الشيعة السعوديين (المنطقة الشرقية) وزجهم في اتون النار، كمحاولة من إيران لتبعث رسالة الى حكام السعودية بأنّها تمتلك أوراق ضغط تهدّد أمنها الداخلي، مع زيادة دعمها العسكري للحوثيين من اجل مساعدتهم على امتصاص الهجمة العربية. فإن كنّا هنا لا نستطيع التخمين الدقيق عن الموقف الايراني الواضح، إلا أنّ من المؤكد توجّه طهران للاعتماد، كما عودتنا في كل مرة، على تصدير اقصى واقوى تصريحاتها وبيانات الاستنكار والدعم، مرفقة بمزيد من بواخر السلاح الى اتباعها (الشيعة العرب)، واعطاء الاوامر لخلاياها المنتشرة في بلاد التحالف الجديد للقيام باعمال أمنية وتخريبية تستهدف منشآتٍ واهدافا هنا وهناك، حيوية بالطبع، تعرف ايران أنّ نتائجها لن تنعكس الا على ابناء البلد الذي ستعمل على تخريب الأمن فيه.
وهي بذلك كانت ولا تزال وستظلّ تهدّد مصالح الشيعة في البلاد العربية بدون أيّ تغيير يذكر في موازين القوى. فهي ستقف من بعيد بانتظار لحظة الحسم لتنقضّ بعد ذلك على الطاولة لتوقّع تسوية تضمن لها مصالحها.