لا يحتاج القارئ إلى مؤنةٍ زائدةٍ كي يكتشف أنَّ نصَّ "ناهض حتَّر" هو نصَّان ، نصٌّ توصيفيٌّ تاريخي لماضٍ عربي حفرت فيه كل السواعد الثورية والإصلاحية ،من الماركسية إلى القومية والليبرالية، لبعدٍ مسيحيٍ واضح أعطى تجربةً مزاجها الخاص من روَّادٍ شغلوا المشهد السياسي والفكري والأدبي ، على خشبة المسرح العربي منذ النهضة وحتى أواخر السبعينيات من القرن الماضي...والنص الآخر لا يرقى إلى مستوى النص الأول ، لا في التوصيف ولا في التحليل ، فهو قد تجلَّى في الحديث عن المرحلة المبكرة في التاريخ العربي الحديث ، وتأخَّر عن مُجاراته في النص الثاني من النص المذكور ، باعتبار أنَّ مادة التحليل الشيعية غريبة وبعيدة عن إهتمامات المفكر "حتَّر" وبدا في تناوله لها مجرَّد
زبونٌ سياسي يُسارع ويُصارع بمنكبيه لإحتساء شهدٍ منقوعٍ بالسُّم...فحالة المقاومة في لبنان تأسَّست قُبَيل ولادة حزب الله ، أي قُبَيل إكتمال المشهد السياسي الشيعي ، ومع كثير من الملاحظات على التجربتين –الفلسطينية – واللبنانية ، إلاَّ أنَّ ما بذله هؤلاء وما بذروه في حقل المقاومة ، قد شكَّل النُواة الأولى للشجرة التي يحاول كاتب النصَّين سرقة ثمارها من سياجٍ طائفيٍ ، جعل من شجرة المقاومة مشاعاً للوصوليين والإنتهازيين...فالتجربة اللبنانية في مقاومة العدو الإسرائيلي وضع لبُناتها الأولى هي تيَّارات فلسطينية ولبنانية ،وأسهمت فيها دعوات دينية خارج الإصطففات المذهبية ، وقد تجلَّى ذلك في ندائي كلٌّ من مفتي الجمهورية سماحة الشيخ حسن خالد والإمام محمد مهدي شمس الدين...طبعاً
لعب حزب الله دوراً ريادياً في مرحلةٍ من مراحل المقاومة أتاحها له نظامٌ إقليميٌّ فاعلٌ ومؤثرٌ في الساحة اللبنانية ، كان ولإسباب مختلفة ومتعددة قد عطَّل المشروع الوطني لصالح المشروع الطائفي في لبنان.....ومما لا شك فيه ولا ريب أنَّ حزب الله هو قوَّة تتجاوز حدود الوطن وإمكانيات الدولة ، وهي برسم مصالح إقليمية برزت في كلٍّ من سوريا والعراق ، لتؤسِّس محوراً في مقابل محورٍ آخرٍ ، وتكون بذلك قد خدمت مشروعات ، تفتيت المنطقة إلى هويَّاتٍ طائفيةٍ ، وأعطت الصراع المذهبي مداه الأوسع في العالم العربي والإسلامي....طبعاً نحن نقرأ نتائج الأحداث وما آلت إليه الأمور على ضوء المساهمة والمشاركة في أيِّ صراعٍ أجنبي غريب عن لبنان ومساحته الجفرافية...إنَّ الحديث عن مكوِّن
شيعي يُشجِّع المكونات الأخرى على الإهتمام بالدور التاريخي للكتلة الغائبة أو المُغيَّبة والمُهمَّشة بفعل غلبة طائفة أخرى ، تماماً كما جرى ويجري في العراق واليمن ، وما هو قائمٌ في دولٍ أخرى....من هنا نقرأ ونفهم أنَّ النصَّ الناهض من شأنه أن يُؤجِّج من مشاعر مدعوَّة إلى كبتِ جماحها ، لأنَّ في بروزها ما يُهدِّم الهيكل على رؤوس الجميع أو ما تبقَّى منه بعد هذا الدمار الهائل في كلٍّ من سوريا والعراق وما تؤول إليه اليمن وبعض الدول الأخرى..