ليس بين يدي الابرار ما ينالون به الحظوة في زمن الاشرار الذين يملكون كل الوسائل بما فيها المقدسات والدين , التي يمنحهم إياها رجال الدين والمعممين ليتبادلوا الحظوة عند بعضهم البعض , وهذا واضح في دول العالم النامي حيث يسعى الحاكم المستبد لاستخدام المقدسات وبعض رجال الدين كأدوات فعّالة للتحكم بمصير الناس وسلوكياتها وبالتالي الحفاظ على سلطته من الانهيار .
ومن عادة الحاكم المستبد في مجتمعاتنا الاسلامية التملق لرجال الدين لكسب ودّهم , واذا ما فشل في ذلك يعمد الى شراء الذمم أو الى الاعتقالات بتهم شتى .
هذا واقع الحال في العالم الاسلامي وغيره من المجتمعات التي تشبهنا , كلما تناغمت السلطة السياسية مع السلطة الدينية وقع الوبالُ على الناس , فالسلطة الدينية تبرر للسلطة السياسية تقصيرها في خدمة الناس والاجتماع والتنمية , والسلطة السياسية بدورها تغطي السلطة الدينية بكل إرتكاباتها , وكلا السلطتين تعزف على وتر الطائفية والمذهبية كي تكسب ودّ وولاء الناس .
هذا مرضٌ ثقافي أصاب مجتمعاتنا منذ زمن بعيد وتجذّر أكثر فأكثر حيث أصبح شبه مستحيل فصل السلطتين عن بعضهما البعض لحاجة كل منهما لشرعية يأخذها من الاخر , لان شرعية الناس مغيبة , بل لم يعُد لها حاجة في ظل الاتفاق والتناغم بين السلطتين المذكورتين , ففسدت السلطة السياسية وعاثت في البلاد الفساد تحت مرأى السلطة الدينية التي بررت وما زالت تبرر هذا التراجع والانحطاط بحجج واهية وتحميل المسؤولية للمؤامرات الخارجية بذلك
وكذلك السلطة الدينية انحرفت عن اهدافها وتحولت الى أداة في يد السلطة السياسية المستبدة , ففشلت كلا السلطتين بالنهوض بمجتمعاتنا فكريا وثقافيا وتنمويا , كذلك فشلا في تحصن البلاد من اطماع الخارج . نحن بحاجة ماسة لهذا الفصل , وبالتالي انشغال كل سلطة بمهامها ودورها الصحيح , والتمييز بين السياسي والديني من أجل الخروج من تلك الازمة البنيوية التي خلّفها هذا التناغم بين السلطتين , وينبغي على رجال الدين تحمّل تلك المهمة التي من شأنها إنقاذ الدين من أيدي المستبدين وتجار السياسة , كذلك إنقاذ السلطة السياسية من ايدي الفاسدين السلطويين .