قدّم الرئيس ميشال سليمان شهادة وطنية قد تكون استثنائية في زمن ماتت فيه الوطنيّات وباتت التجارة الخاصة سوق السياسيين في لبنان بحيث سيطرت على الدولة طبقة سياسية بلعت كل شيء هي وعائلاتها وتركت مواطنين يهتفون للزعيم على حُسن سيرته وصفاء سيرته في اختيار المناسبين للأمكنة المناسبة في سلطة توزعت على عائلات الزعماء في لبنان.
لقد تحرر الرئيس سليمان من ضغط قبائل الطوائف عليه عندما خرج نظيف الدور في رئاسة مُشبعة بالامتيازات الخاصة فرفض ما فعله الآخرون من روّاد الدولة والسلطة في تقاسم نفوذ الثروة الوطنية لصالح نسائهم وأولادهم وأصهرتهم والأقربين من التابعين لهم .
في مقابلته أمس مع تلفزيون الجديد بدا الرئيس ميشال سليمان رئيساً لبنانيّاً وتجربة اختزلت سلطة باتت عرضة للانتقاص بفعل طامحين يعملون لصالح من أوصلهم زوراً الى أمكنة ميثاقية لا يمكن التهوين من دورها لأنها تعبر عن دور رسالي وحضاري جعل لبنان امتيازاً خاصّاً في خارطة عربية تشبه بعضها البعض في الوراثة السياسية والاستبدادية .
لقد كبح الرئيس سليمان جماح من يسعى الى الرئاسة لصنع مستقبل جديد لعائلته بعد أن تمرنوا أفرادها جيداً في مجلسيّ النواب والوزراء وباتوا ضليعين بالشأن اللبناني ويملكون مهارات عالية ستُساعد الرئاسة وتُسعفها من محنتها وأزمتها وتأخذ بيدها الى حيث يجب والى أيّ عاصمة من عواصم الدفع بالعملة الصعبة .
بعيداً عن ما تقدم , يبدو أن ميشال سليمان قدّ قدّم نفسه أمس كتيّار وطني يستند الى تجربة في رئاسة كانت نظيفة بمعايير النظافة الوطنية واستطاع أن يكون رئيساً في مرحلة لا امكانية فيها لرئيس أصلاً طالما أن القوّة هي المعيار الذي يحكم التوازنات في لبنان لا المواثيق ولا القوانين ولا القدرات الشخصية ولا حتى الحضور السياسي .
ان الطائفة القوية هي الرئاسة الفعلية والطائفة الضعيفة ما هي الا صورة شكلية أو مجرد ديكور سياسي كما هو حال المتباكين على أمجاد طائفة ضائعة بين الطوائف لتحصيل مكتسبات أشخاص لا يرتقون لا الى مستوى الطائفة ولا الى مستوى الرئاسة .
حسناً فعل ميشال سليمان بتدشين مرحلة سياسية جديدة قائمة على شروط وطنيّة وقادمة من تجربة غنية ليفتح بذلك عهد وسطية مسؤولة لا متفرجة لتكون بمثابة الكتلة الوطنية المرشحة لاحداث التغيير في بنية النظام الطائفي وليخرج المتفرجين على ضياع وطنهم من ساحات التفرج الى حيّز نضالي لأن الاصلاح مسؤولية وليس نُزهة في مسيرة سلطة أجبرت الناس على المشي فيها لتكريس حسابات زعامة طائفية وحزبية تخدم مصالح جهات اقليمية وان أدّى ذلك الى بيع لبنان بالمزاد الدولي الجديد .