هناك مقولة شهيرة تعتبر بأن إيران والمملكة السعودية هما أكبر المؤثرين على القضايا الاقليمية في الشرق الاوسط، وخاصة فيما يتعلق بمناطق التماس السني الشيعي من أمثال لبنان وباكستان والبحرين والعراق ولكل منهما دورهما ومصالحهما تلتقي أحيانا وتفترق أخرى.
وما يثير الاستغراب لأي مراقب منذ أكثر من عام هو أن الدبلوماسية السعودية دخلت فترة الاستقالة من المشاركة في الملفات الاقليمية والدولية، بدءا من امتعاضها وتملصها من قبول كرسي في مجلس الامن وعرقلتها في مسار المفاوضات النووية، مروراً باستخدام سيفها لتهديد من يتجه إلى التسوية من حلفائها في لبنان وصولاً إلى مكافحة الارهاب الداعشي في تكريت.
ومنذ بدأ الشغور الرئاسي في لبنان لم يكن للسعودية أية مبادرة لحلها، بل المبادرة الوحيدة التي قامت بها السعودية هو تشريج أطراف من المسيحيين لايمثلون الا نسبة ضئيلة ن المجتمع المسيحي، كأسلوب لتصدير نموذجها غير الديموقراطي الذي يبتني على الشيخوخة والقبيلة ولا أصوات المواطنين واحترام خياراتهم.
وتحاول السعودية بإلقاء اللائمة على إيران وإظهارها وكأنها تعرقل في مسار ملأ الشغور الرئاسي، بينما الحقيقة غير ذلك تماماً ويبدو إنها غير مستعدة لقبول القرار الذي يتخذه حليفه الأساسي في لبنان،
أما في ملف مكافحة الارهاب في العراق يبدو الموقف السعودي أكثر غرابة، حيث أن أقصى ما قامت به السعودية هو طلب الولايات المتحدة بالتدخل العسكري في تكريت، بسبب امتعاضها من مشاركة الحرس الثوري الاستشارية في معارك تكريت.
وكان رد الوزير الخارجية الأميركي مهيناً عند ما صرح بأن مساهمة القوات الإيرانية لمكافحة داعش أمر جيد.
أما في الملف النووي الإيراني والمفاوضات التي تجري حالياً بين الطرفين، فإن الموقف السعودي لا يتلائم حجم المملكة فحسب، بل إن هذا الموقف الذي أدلي به تركي الفيصل رئيس جهاز المخابرات السابق، مسيئ لبلاده أكثر مما هو مضر لمسار المفاوضات. فهو يقول إن وصول إيران إلى حقها للتحصيب النووي سيدخل المنطقة في سباق نووي وأننا سنفعل كل ما فعلته إيران، مما يعني بأن السعودية تريد الغش من جارتها إيران التي دفعت ثمناً باهظاً حتى الآن على صمودهم ومثابرتهم في الاحتفاظ بإنجازاتها النووية.
ولن يقتصر الغش السعودي من إيران، على الملف النووي، بل كان لافتاً إنها أقرت بمنح 3 ميليارات دولار لدعم لبنان العسكري فور تقديم إيران مقترحاً بتجهيز الجيش بأسلحة إيرانية دون مقابل.
إيران صامدة في الملف النووي وحاضرة في العراق واليمن وسوريا لضرب الارهاب الداعشي الذي لا يمكن تجاهل دور السعودية وحلفائها الغربيين في تكوينه، وهي في نفس الوقت لها نفوذ في فلسطين، ولكن أين المملكة السعودية في منطقة الشرق الأوسط ومكافحة الشرور الارهابية؟
هل إنهم يتريثون أي تحرك مستقبلي لإيران حتى يقروا موقفهم منه بالغش الإيجابي أو السلبي، أم حقاً لديهم مبادرات وخيارات غير ما شاهدناه سابقاً من دعم الجماعات الارهابية التي شملت خطرها السعودية فيما بعد، عند ما أزاحت تلك الجماعات عن نياتها الخبيثة بإحتلال الحرم المكي؟