تساءل كثيرون بعد الليونة المفاجئة التي أبداها «حزب الله»، والتي أنتجَت تأليف الحكومة، عن خلفيات وأسباب هذا التراجع الذي تَمثّل بتجاوز مطلب الثلث المعطّل، وصيغة «جيش وشعب ومقاومة» في البيان الوزاري، وعن سبب هذه المرونة.
وشملَ التساؤل أيضاً سبب هذا التهافت على الحوار، في وقت كان «حزب الله» يُهدّد قوى «14 آذار» بالجملة والمفرّق، محذراً من عقاب شديد، إذا لم يقتنصوا الفرصة، ويقبلوا بشروطه بتأليف الحكومة، وبغيرها من المطالب.
الإجابة عن هذا التساؤل ظهَرت في الجلسة الأولى للحوار، وفي الأداء الحكومي، حيث حرص «الحزب» على التهدئة (الكلامية طبعاً)، وبادَر الى فتح قنوات الاتصال مع تيار «المستقبل»، وبعض رموزه، فكانت زيارة رئيس وحدة الارتباط والتنسيق وفيق صفا لوزير العدل اللواء أشرف ريفي، وكانت خطوط مفتوحة ولا تزال مع وزير الداخلية نهاد المشنوق، والتي استكملها «الحزب» بنشر أجواء الوئام والمصالحة والمحبة، بما يعطي انطباعاً وكأنّه نال بركة خصومه الذين يتشارَك معهم في حكومة واحدة وفي طاولة حوار في عين التينة، تشمل كل ما يقوم به في لبنان وسوريا، ليظهر فيما بعد أنّ ما أراده «الحزب» لم يتحقّق.
فالحكومة كانت منذ البداية حكومة ربط نزاع كما أسماها الرئيس سعد الحريري، والحوار باعتراف الطرفين، هو مجرّد التقاء على تثبيت الاستقرار، بدليل ما يُعلنه الحزب نفسه، عن عدم وجود سقف مرتفع للتوقعات في شأن النتائج.
وتسأل أوساط في «14 آذار» عن السبب الذي دفع «حزب الله» الى رفع لهجة الخطاب السياسي الى درجة تهديد الحوار، وتفجير الحكومة، باعتبار أنّ ما قيل في الايام الماضية على لسان بعض رموز «14 آذار» لم يكن جديداً، إنما كان رداً طبيعياً على ما يعلنه مسؤولون إيرانيون، ومسؤولون في «حزب الله»، وأوّلهم السيّد حسن نصرالله الذي دعا الجميع إلى مشاركته في القتال بسوريا، فهل التزم السيّد نصرالله ما يريد من الآخرين التزامه، أم أنّ «حزب الله» يريد أن يحوّل لبنان محمية صامتة، لا يعلو فيها أي صوت اعتراضاً على سياساته التي تُهدّد الاستقرار والسيادة؟
الأرجح، تقول الاوساط، إنّ الحزب أراد من الدخول في الحكومة، ومن الحوار، ترويض الاعتراض على سياساته، تحت عنوان التهدئة، ولهذا كان مطلب الهدنة الاعلامية مطلباً دائماً على طاولة الحوار مع «المستقبل»، حيث أصرّ ممثلو الحزب في كل مرة على البدء بتطبيق التهدئة الاعلامية والسياسية، ما يعني إسكات منابر الاعلام،
والطلب من بعض الرموز التي لا تزال تنتقد الحزب تخفيف لهجتها، وهو الأمر الذي رفضه ممثلو «المستقبل»، لأنه يتجاوز الهدف من تأليف حكومة ربط النزاع، إلّا إذا أراد الحزب الدخول في حوار حقيقي يشمل قتاله في سوريا وسلاحه المنتشر سواء على شكل «سرايا مقاومة» أو سلاحه الخارج عن سلطة الدولة.
وتشير الاوساط الى أنّ رد «حزب الله» على الرئيس فؤاد السنيورة، وعلى تشكيل المجلس الوطني لـ«14 آذار» هو ردّ مؤجّل على كلمة الرئيس سعد الحريري في ذكرى 14 شباط، التي حدّد فيها ثوابت المرحلة ولاءاتها، وهي الكلمة التي شكّلت إطاراً وعنواناً حقيقيين لسقف العلاقة مع الحزب، حيث أعادت هذه العلاقة الى حجمها الحقيقي،
من دون المبالغة في توقّع نجاح الخطط الأمنية التي تسير كالسلحفاة على أعتاب الضاحية، ومن دون الذهاب الى تكريس هدنة إعلامية وسياسية، لا مجال إلّا لرفضها باعتبار أنها ستشكّل قبولاً وتطبيعاً مع واقع يفرضه «حزب الله»، ويريده عنواناً لهدوء مزيّف سوف يزول عندما يُقرّر الحزب أنّ أوان المواجهة في لبنان قد حان، في حال تغيّر ميزان القوى في المنطقة لصالح إيران.