بات لتنظيم "داعش" نفوذه في عرسال. وهو قادر على ممارسة الكثير من مظاهر السلطة، ما يجعل المنطقة شبيهة بالمخيمات الفلسطينية، حيث السلطة اللبنانية ممنوعة من الدخول والأمن بالتراضي.
وقبل يومين، قام سوريان من "داعش" بـ"معاقبة" مواطن لبناني "إعداماً" بالرصاص، بـ "تهمة" التجسس" للجيش اللبناني. وردّت عائلة المغدور بقتل عنصر سوري من "داعش".
وهكذا تعيش البلدة اللبنانية حالاً شديدة التعقيد، وتتنازع أهلها تجاذبات ومشاعر متناقضة:
1- إنّ هؤلاء ناقمون على "حزب الله"، لإعتبارهم أنه كان السبب في "دخول الدب إلى الكرم اللبناني". وبديهي أن يكون المزاج العرسالي، وهو جزء من المزاج السنّي العام، متعاطفاً مع المعارضة السورية لا مع النظام و"حزب الله".
2- إنّ هؤلاء ناقمون على "داعش" ورديفاتها لأنهم بدأوا يتذوَّقون مرارة سيطرتها على البلدة وتحكّمها بهم، بممارساتها المتخلفة.
3- إنّ هؤلاء عاتبون كثيراً على السلطة الشرعية اللبنانية التي لم تتخذ قراراً سياسياً في حجم الحدث منذ بداية الحرب السورية.
وفي المحصّلة، تدفع عرسال وأهلها ضريبة خصوصياتهم الجغرافية والديموغرافية. وهناك مخاوف من إرتفاع الأثمان المدفوعة في المرحلة المقبلة، وتحديداً في الشهرين المقبلين عندما تبدأ "معركة ذوبان الثلوج" التي يتوقع المحللون إندلاعها.
السيناريو المنتظر يقوم على الآتي:
- تهاجم "داعش" مواقع الجيش في الجرود وتحاول النزول نحو قرى مسيحية وسنّية في البقاع الشمالي (القاع، الفاكهة، رأس بعلبك...) وقرى شيعية مجاورة.
- تحاول "داعش" التمدّد جنوباً لربط القلمون والزبداني السوريَين بالبقاعَين الشمالي والأوسط، حيث يُتاح قيام إمارة إسلامية واسعة تخترق الحدود اللبنانية- السورية وتصل إلى الحدود المشترَكة مع إسرائيل.
وهذا المخطط سيواكب تفجيراً للجبهات مع النظام في الداخل السوري. وسيجد التنظيم أنه قادر على تعويض المأزق العسكري السوري بفتح أبواب جديدة في الداخل اللبناني.
ولذلك، يبادر الجيش اللبناني باكراً إلى سدّ المنافذ التي يمكن لـ»داعش» أن تستغلّها في البقاعَين الشمالي والأوسط وشمال لبنان، وهو يفتح المعارك حيث يجب إستباقياً. وهنا تكمن إشكالية عرسال. فالإرهابيون يعتبرون أنّ البلدة أسيرة في أيديهم، وأنّ أهلها رهائن. وتبدو "داعش" في صدد إستغلال عرسال ورقة ضغط في أيّ مواجهة مع الجيش.
وفي الموازاة، سيدفع اللاجئون السوريون العُزَّل ثمن المواجهة. فالتنظيم جعل من اللاجئين في داخل البلدة، ومن مخيّمهم الواقع جغرافياً بعد آخر نقطة للجيش في وادي حميد، ملاذاً لتسلّل العناصر والإختباء والإحتماء. وستكون المواجهة صعبة على هؤلاء اللاجئين الواقعين أيضاً في أسْر "داعش"، كما هم العرساليون.
وهكذا، تبدو المواجهة هناك صعبة ومكلفة للمدنيين اللبنانيين والسوريين، وللبنان عموماً. وستستخدم "داعش" أيضاً ورقة العسكريين المخطوفين وربما زعزعة الأمن في غير منطقة لبنانية، كالعودة إلى عمليات التفجير حيث تستطيع. وستخوض "داعش" هذه المواجهة لسببين:
- تخفيف الضغط الذي يزداد عليها في الداخل السوري.
- تعويض الخسائر المحتمَلة في بعض المناطق، نتيجة الضربات الجوية التي ينفّذها التحالف في العراق وسوريا، والهجوم المدعوم إيرانياً في العراق.
ويعتقد كثيرون أنّ المواجهة واقعة لا محالة بين نيسان وأيار.
لكنّ نهاية السيناريو لن تكون في مصلحة "داعش" على الأرجح. فهناك تماسك لبناني داخلي لإفشال المخطط. وأيّاً تكن الأثمان، لن يسمح لبنان بسقوط جزء واسع من منطقة البقاع في أيدي "داعش" فيما يتقلّص نفوذ هذا التنظيم في العراق وسوريا.
كما أنّ المجتمع الدولي الحريص على ضبط "داعش" لئلّا تتجاوز "حدودها"، سيقف مع لبنان في المواجهة. ومن هنا عدم إستبعاد البعض أن يلجأ التحالف الدولي إلى قصف "داعش" في لبنان أيضاً، على غرار ما يفعله في العراق وسوريا. فالمبرِّر واحد.
وفي غياب القدرات اللبنانية الجوية، سيكون من الأفضل للبنان أن يوافق على ضربات التحالف الدولي، بدلاً من ضربات سلاح الجوّ السوري. على ما يبدو، هناك مرحلة موجعة ستمرُّ بها عرسال وسائر البقاع، مهما حاول الجميع ترقيع الوضع وتأجيل الوصول إلى الكأس المرّة.