في خطابه الأخير أمام الكونغرس الأميركي، بدا رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتانياهو كمن يكذب لصالح الممانعة وليس عليه
أربعون دقيقة متواصلة هي مدة الخطاب الذي ألقاه رئيس وزراء العدو الإسرائيلي امام الكونغرس الأميركي منذ أيام، هذا بعد الترحيب المميز والاستقبال الحافل الذي لم يكن يأمل نتنياهو بأفضل منهما كما قالت النيويورك تايمز التي تعتبر ان أعضاء الكونغرس يخشون من رئيس لجنة العلاقات الأميركية الإسرائيلية (ايباك) اكثر من أي أحد آخر.
وكما كان متوقعا فإن مجملالخطاب ومضمونه تمحور حول نقطة مركزية واحدة لا ثانية لها وهي الملف النووي الإيراني والاتفاق المرتقب حول هذا الملف بين ايران وبين الولايات المتحدة الامركية، والمحصلة النهائية من هذا الخطاب هي: لا صلح جيد مع ايران.
وان كنا هنا لا نريد تناول اصل الفكرة او طريقة مقاربة نتنياهو لها وما يحيط بها من علامات استفهام أشار لها بإسهاب مدير مجلس العلاقات الخارجية الأميركي بمقالته في ” الفاينانشل تايمز” (لم يقدم في كل نقاشه عن الملف النووي الإيراني وخطره تفاصيل محدده وبالتالي لم تكن لديه رؤية وحلولا للملف الإيراني بدون الاتفاق معها
ولكن ما نحاول الإشارة له هنا وتسجيل علامات الاندهاش في هذا السياق، هو حجم التصديق الذي تعامل معه اعلام الممانعة لدرجة ان خطاب نتنياهو هذا تحول ليس الى مادة إعلامية فقط، بل اكثر من ذلك فقد لاحظنا ان هذا الخطاب سهّل مهمة هذا الاعلام للترويج وتهيئة كل الأجواء لمرحلة التوقيع النهائية.
فان كان إعلام الممانعة يحتاج الى بذل جهود كبيرة لتسويق التقارب الإيراني الأميركي فقد جاء هذا الخطاب لتحويل الاتفاق المزمع توقيعه الى ما يشبه المطلب الجماهيري"الممانعاتي"بعد ان ساهم في تظهيره وكأنه “صفعة قوية ” على وجه العدو.
هذا الأسلوب ” الاسرائيلي” في الاعلام والمنبثق عن عقلية “يهودية” تاريخية، والتي لا تمانع البتة من إعطاء خصومها او منح عدوها “انتصارات” وهمية يفرح بها ويتلهى بالاحتفالات والمهرجانات في احياء مواسمها، طالما ان الحقيقة والواقع هو المزيد من المصالح التي تصب في نهاية المطاف بخدمة مشروعهم وتحقق أهدافهم ،على عكس العقلية ” الشرقية ” التي تهتم اكثر ما تهتم في تحقيق بطولات وانتصارات إعلامية وانجازات دخانية لا تسمن في النهاية ولا تغني من جوع.
واستطيع هنا ان ازعم بان هذا الفارق الجوهري بين العقلية “اليهودية” الباحثة دوما عن مصالح مواطنيها، والعقلية ” الشرقية ” المتمسكة بتحقيق هبرجات دعائية لزعمائها من اجل صناعة ابطال كرتونية لا تساهم الا في المزيد من التخلف لمواطنيها، استطيع ان ازعم ان هذا الفارق يكاد يشكل اهم نقاط القوة بيد العدو، عليها بنى ويبني كل هذا التفوق الواضح.
ومن هنا على سبيل المثال لا الحصر يمكن ان نفهم كيف تتحول القناة العاشرة الإسرائيلية الى اهم مصدر اخباري لقناة المنار التابعة لحزب الله، وتقارير القناة الإسرائيلية هذه تشكل دائما اهم دليل على كل ما يحتاجه الحزب في حملاته الدعائية، فكل انتصارات الحزب ومن خلفه كل المحور الممتد الى طهران لا يشكل أي حراجة للعدو الإسرائيلي طالما انه في اخر المطاف ستوظف كلها وما ينتج عنها من حضور وفعالية في فتنة سنية شيعية تخدم مصالح العدو وتدير عجلة الماكنات لمعامل السلاح التي تملكها الشركات الإسرائيلية.
وبالعودة الى خطاب نتنياهو فانه حتما يصب بنفس هذا السياق، وان كل هذا التباكي ما هو الا أكاذيب وخدع يريد ان تستفيد منها ايران وتستعملها لتسهيل مهمة التوافق الامركي الإيراني الذي يخدم ولا يضر المصالح الإسرائيلية.
ولا بد في الختام من التذكير ها هنا ان نتنياهو نفسه قد قال امام الكنيست الإسرائيلي عندما كان نائبا سنة 1992 (منذ 23 عام): “ايران ليست بعيدة سوى ثلاثة او خمس أعوام عن انتاج قنبلة نووية”.