بعد تفجير حافلة تقل شيعة لبنانيين بالكلاسة بالقرب من سوق الحميدية وسط دمشق مطلع شهر فبراير (شباط) الماضي، بات ظهور حزب الله اللبناني في دمشق القديمة أكثر فجاجة واستفزازا، فقد أزالت قوات النظام «بسطات» الباعة الجائلين من سوق الحميدية والمناطق المجاورة، وفرضت طوقا أمنيا حول عدد من الأحياء في المدينة القديمة. ونصب حزب الله حواجز على الطرق المؤدية إلى أماكن وجود السكان أو الزوار الشيعة، مع تفتيش دقيق للسيارات والمارة وإغلاق بعض الطرقات والمداخل. ليكتمل مشهد سيطرة حزب الله على بعض أحياء دمشق القديمة خاصة حي باب توما ذا الغالبية المسيحية، وحي القيميرية ذا الغالبية السنية، إضافة إلى أحياء الشيعة، كأحياء الجورة والأمين والشاغور (ويوجد في الأخير مكتب «حزب الله السوري»)، بحسب ما أفادت مصادر إعلامية.
ويقول ناشط دمشقي إنه تم «إغلاق مداخل حارات الشيعة في المدينة القديمة، بأبواب حديد، ويقوم مسلحون من حزب الله على حراستها ومنع السيارات والدراجات النارية والعادية من دخول تلك الحارات، كما يتم تفتيش الداخلين إليها تفتيشا دقيقا والتأكد من هوياتهم والتحقيق في أسباب دخولهم، ومن لا يقتنعون بكلامه أو لا يعجبهم يمنعونه من الدخول». كما تم نشر كاميرات مراقبة في الشارع المستقيم المتجه إلى باب شرقي، بدءا من سوق البزورية وحتى جمعية الإحسان الشيعية آخر مكان يشغله الشيعة في هذا الشارع الذي تنتشر على جانبيه محلات تجارية ومدارس للشيعة، كمدرسة اليوسفية للبنات ومدرسة المحسنية للبنين.
ويلاحظ انخفاض عدد المسلحين الشيعة بشكل واضح في الحارات التي يقطنها سكان من غير الشيعة، سواء من المسيحيين أو السنة، فيما تحضر فيها بكثافة رموز وأعلام وصور قتلى حزب الله، وآخرها أعلام حمراء وصفراء تدعو للثأر للحسين. وباتت واضحة للعيان سيطرة حزب الله على المنطقة الممتدة من حي الجابية إلى باب شرقي، ومن ساحة باب توما إلى شارع الأمين. وهذه كلها باتت تعرف بمربع حزب الله الأمني. ومنذ أكثر من عامين تشهد تلك الأحياء احتفالات دينية شيعية لم تكن شائعة سابقا في أي من مناطق مدينة دمشق، ما عدا منطقة السيدة زينب بريف دمشق الجنوبي، حيث دأب الشيعة السوريون والزوار من دول الجوار على الحج إلى المقام وإحياء المناسبات الدينية، إلا أنه في العامين الأخيرين امتدت تلك الاحتفالات إلى قلب مدينة دمشق بمشاركة وفود لبنانية ينظم رحلاتها حزب الله. تقول ناديا (45 عاما) من سكان حي العمارة بدمشق، إنها شاهدت وفدا لبنانيا زار دمشق لإحياء ذكرى أربعينية الحسين في مقام السيدة رقية نهاية العام الماضي، وتتابع «جال الوفد في محيط القلعة والجامع الأموي، وهتف بشعارات طائفية أمام أعيننا نحن (سكان دمشق)، وكأنهم يتوعدوننا في عقر بيتنا بالثأر»، مضيفة أن «الوفد كان يحمل يافطة (حملة جبل الصبر لزيارة العتبات المقدسة - لبنان - سوريا)، وارتدى المشاركون الأسود وتوشحوا بشارات خضراء عليها اسم الحملة».
من ناحية أخرى، كان لافتا الأسبوع الماضي أن حضور احتفالات حزب الله في شوارع دمشق لم يعد مقتصرا على المناسبات الدينية، بل بات ينظم مهرجانات ذات طابع سياسي برعاية الحكومة السورية تحت عنوان «المقاومة والممانعة»، فمنذ عدة أيام أغلقت ساحة باب توما احتفالا بما وصف بـ«الوحدة العربية وإضراب الجولان السوري المحتل»، وإحياء لذكرى اغتيال قياديين بارزين في حزب الله. ووسط إجراءات أمنية مشددة وإغلاق معظم المداخل إلى الساحة وإخضاع المارة للتفتيش الدقيق، كان عناصر حزب الله يرفعون رايات سوداء كتب عليها «يا حسين» ويوزعون على الناس السكاكر والمناشير التي تذكر باغتيال «قائد المقاومة» عباس الموسوي، وقيادات آخرين منهم راغب حرب وعماد مغنية. وكانت هذه الاحتفالات ممهورة برعاية وزارة السياحة السورية، بحسب ما أكده سكان في باب توما ذي الأغلبية المسيحية.
وجاء الظهور الفج والاستفزازي لحزب الله في دمشق متواكبا مع تأكيدات صادرة عن فصائل سورية تقاتل قوات النظام، كشفت عن عناصر تنتمي إلى ما يسمى بـ«حزب الله السوري»، وأنهم كانوا بين القتلى الذين سقطوا للنظام على جبهات درعا والقنيطرة وحلب، وقد حملوا بطاقات ومهمات قتالية تشير إلى ذلك. كما تداولت مواقع إخبارية إلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تتضمن اعترافات لعناصر قبض عليهم الجيش الحر في أكثر من موقع، بأنهم ينتمون إلى «حزب الله السوري»، وقد تم تجنيدهم خلال الشهرين الأخيرين.
وكان حسين همداني، أحد قادة الحرس الثوري الإيراني سابقا، قد تحدث في أكثر من مناسبة عن تأسيس إيران «حزب الله» في سوريا على غرار حزب الله اللبناني. ويبدو أنه صار واقعا مع أنباء عن افتتاح مكاتب له لا تزال سرية في دمشق، مهمتها التنسيق بين الجبهات، ومفاوضات الهدن والمصالحات والأسرى. إلا أنه لم يتم الإعلان رسميا عن تشكيل حزب الله السوري المتوقع أن يتم في وقت قريب.
ويقدر ناشطون عدد أفراد الحزب في سوريا بأكثر من 15 ألف مقاتل من الشيعة حصرا، يتقاضون رواتب تتراوح بين مائة ومائتي دولار شهريا، بحسب ما يؤكده أكثر من مصدر في إعلام المعارضة، كما تشير معلومات أخرى إلى تلقي المنتسبين تدريبات في معسكرات خاصة بإيران. ويزج بمقاتلي حزب الله السوري على الجبهات الساخنة، كجبهة حلب التي يتوزعون فيها على فصيلين، الأول لواء القدس ويضم موالين للنظام من مدينة حلب وفلسطينيين من مخيم النيرب. أما الفصيل الثاني فيتكون من ميليشيا قوات الدفاع الوطني، وغالبية المنضوين فيه من أبناء بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين. كما يتوزع مقاتلو حزب الله السوري على باقي الجبهات القريبة من مناطق تركز الشيعة في سوريا، بالإضافة للجبهة الجنوبية الممتدة على المثلث الواصل بين محافظات القنيطرة - درعا - دمشق.
ويقول ناشطون سوريون إن حزب الله اللبناني يستخدم مقاتلي حزب الله السوري على خطوط التماس في المهمات القتالية الصعبة، لتجنب التضحية بعناصره اللبنانيين الذين يعتبرهم من النخبة. وقبل نحو أسبوعين شيعت «حارة الجورة» بحي الشاغور الدمشقي، عددا من عناصر حزب الله السوري الذين قُتلوا في معارك ريف حلب.
دمشق القديمة مربع أمني لحزب الله.. وحضور ديني وسياسي برعاية وزارة السياحة
دمشق القديمة مربع أمني لحزب الله.. وحضور ديني وسياسي برعاية...لبنان الجديد
NewLebanon
التعريفات:
مصدر:
الشرق الاوسط
|
عدد القراء:
1094
مقالات ذات صلة
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل ( ٨ ) سفارة لبنان في...
الشاعر محمد علي شمس الدين يترجل عن صهوة الحياة الى دار...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (7) سفارة لبنان في...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (6) سفارة لبنان في المانيا...
65% من المعلومات المضللة عن لقاحات كوفيد-19 نشرها 12...
لبنان: المزيد من حالات وارتفاع نسبة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro