نظّم عدد من الجمعيات اللبنانية مظاهرة انطلقت الى وزارة الداخلية طالب المشاركون فيها الوزير نهاد المشنوق أن يفرج عن عقود الزواج المدني المبرمة بين عشرات من المواطنين وان يسمح بتسجيلها في الدوائر الرسمية. وكسابقاتها، لم تلق هذه المبادرة أية استجابة وذلك استنادا للقوانين والأعراف الطائفية المعمول بها في لبنان.
هذا وقد تساءل عدد من النخب اللبنانية المهتمة والمواكبة لهذه القضيّة حول امكانيّة تحقيق اختراق لتلك القوانين والأعراف، وطرح أفرادها عدة أسئلة حول إمكانية القبول بعقد زواج مدني غير ديني بعيدا عن المحاكم الشرعية والمؤسسات الروحيّة للطوائف، وما هو رأي الشرع الإسلامي تحديدا في الزواج المدني؟ اذ لطالما وقف رجال الدين المسلمين في لبنان بوجهه معارضين صراحة طرح قانون الزواج المدني مستخدمين سلاح التحريم الديني وهو السلاح الأقوى تأثيرا في بيئاتنا المتدينة المحافظة.
هذا السؤال يجيب عليه سماحة العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الأمين الذي كان وما زال له رأي متميّز في هذا المجال عبّر عنه في أكثر من مناسبة فقال: «يمكن الكلام في الخلاف الواقع حول شرعية الزواج المدني وضرورة الاعتراف به في لبنان من جهة، ومسألة منعه والتحريض عليه من جهة أخرى.
فيما يتعلق بالقانون اللبناني، فإن هذا القانون لا يعترف بعقود الزواج المدني التي تجري في لبنان، وهو يعترف بها حين تجري من لبنانيين، رجل وامرأة، خارج لبنان ويسحبها في القيود الرسمية.
وفي هذا المجال، فإن المرء يشعر بأن هناك مفارقة لا يمكن تبريرها تبريراً منطقياً، فإذا كان الزواج المدني في القانون محرّماً أو ممنوعاً، فينبغي أن يشمل كل وقائع الزوجية سواء التي حصلت في لبنان أو غيره، وإذا كان قانونياً، فلماذا يكون مقبولاً خارج لبنان ومرفوضاً داخل لبنان؟
هذا في المسألة الأولى، وفي المسألة الثانية وهي المسألة الجوهرية، فإن موقفنا من عقد الزواج المدني يستند إلى توفر الشروط الشرعية في هذا الزواج، حتى إذا توفرت هذه الشروط الشرعية فإنه لا فرق بين عقد زواج امام الدائرة المدنية أو دائرة دينيّة. فممانعة المؤسسات الدينية الإسلامية لعقد الزواج المدني ينبغي أن تنصّب على العناصر التي تتنافى مع الشروط الدينية لإجراء العقد، وفي جهتنا فإننا لا نرى مانعاً في إقرار زواج مدني، أي أمام جهة غير دينية إذا توفّر الإيجاب والقبول من قبول الزوجين، لأن الإسلام لا يشترط في صحة العقد ان يكون أمام جهة دينية أساساً، فهو كبقيّة العقود لا يشترط سوى الإيجاب والقبول من جهة وما يترتب على الزوجين بعد زواجهما من حقوق وواجبات، ويجوز لدى إجراء عقد الزواج أن توضع لائحة من الشروط المتبادلة بين الزوجين وتكون هذه الشروط ملزمة كما يجب أن يراعى في نتائج العملية الزوجية الأحكام الشرعية المتعلقة بالإرث وبالحضانة، أي حضانة الأولاد وغيرها من المسائل التي توجد فيها نصوص شرعية».
ويلحظ السيّد الأمين مسألة الحقوق التي باتت تتمتع بها المرأة العاملة والتعلّمة في عصرنا الحديث فيؤكّد أنه “من الجائز في مثل هذا العقد أن تشترط الزوجة قبل إجرائه أن تكون وكيلة من زوجها في طلاق نفسها، وفي هذه النقطة يتوفر الحلّ الذي يشكو منه البعض من أن عقدة النكاح في يد الرجل فبحسب وأن المراة لا حول لها ولا قوة في هذا المجال، ولكن لا يجوز مثلاً أن يبرم الرجل وزوجته اتفاقاً على توريث أولادهم على غير وفق الفريضة الشرعية، بل لا بدّ من الالتزام بالفريضة الشرعية”.
وبالنسبة للفروقات بين بعض التشريعات المدنية والدينية، وحلّ هذه المعضلة يجيب السيد الأمين ويضرب مثلا على ذلك فيقول: “على سبيل المثال ً، فإن الزواج الشرعي يحرّم تحريماً قاطعاً الزواج من الأخوين بالرضاعة فيما الزواج المدني ربما لا ينظر إلى هذه الناحية.وعليه يمكن صياغة تشريع لبناني لزواج مدني ضمن هذه الشروط، ولكننا لا ننفي أن مثل هذا الزواج لا يمكن أن يتفادى عقدة التعدّد الديني والطائفي والتي قد لا تمكن من تشريع زواج مدني شامل لجميع اللبنانيين، ولا بدّ من مراعاة بعض الجوانب والخصائص التي لا تلتئم تماماً بين التشريعات الطائفية المختلفة.
وفي مقاربة لمسألة حسّاسة عدّها جمهور المسلمين خطيرة لا يمكن التنازل عنها وهي حرمة زواج المسلمة من غير المسلم، يوضح السيّد الأمين هذه المسألة بقوله:” أما مسألة زواج المسلمة من مسيحي، فهي من المسائل الاجتهاديّة التي لا يوجد فيها نص قرآني نهائي بشأنها، والآية القرآنية الملفتة في هذا المجال،(اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين )”.
في سياق هذه الآية عندما يحلّ طعام أهل الكتاب، والمحصنات من المؤمنات، فإن بعض الفقهاء يجتهدون بأن المحصنات من المؤمنات المسلمات يلحقهنّ هذا الكم بالنسبة للزواج من أهل الكتاب. وهناك اختلاف فقهي حول هذه المسألة، وبالتالي لا يمكن اعتبارها مسألة حاسمة، ونحن نقترح إعادة النظر فيها، وخصوصاً أن بعض السلف من الفقهاء لم يقولوا بحرمة زواج المسلمة من كتابي، على أننا لا نفتي بذلك، أي بحلية هذا الزواج قبل دراسة فقهية معمّقة، ومن فقهاء ذوي آراء متعدّدة مختلفة ومتفقة تجاهها”.
ويخلص السيد الأمين في نهاية حديثه الى التأكيد “أن الزواج في الإسلام هو زواج مدني، أي لا يحتاج إلى إضفاء ما يسمى بالسرّ الكنسي أو الإلهي وهو أشبه بالعقود العادية التي تجري بين الناس وتلزمهم بشروط هذه العقود وبنودها”.