سوسن الأبطح التشريعات المتعلقة بحقوق المرأة تتطور، في حين أن الممارسات على الأرض تتراجع بحدة، هذا على الأقل ما يمكن قوله بالنظر إلى وضع النساء العربيات، في السنة الأخيرة، تلك التي تلت ثورات وتقلبات ما سمي بـ«الربيع العربي»؛ فمن المغرب إلى اليمن، نساء غاضبات يطالبن بإنقاذهن من التمييز والعنف، فيما الوقائع على الأرض لا يبدو أنها تتحسن بسبب استمرار الاشتباكات والحروب، سواء في العراق أو سوريا أو اليمن وليبيا.
وباستثناء تونس التي نجت من انتكاسة كان يخشى منها لقانون الأحوال الشخصية الذي أعطى النساء ما لم تنله امرأة عربية، وإقرار قوانين في كل من مصر ولبنان، فإن بلدان الربيع العربي، التي كان نزول النساء فيها إلى المظاهرات والاحتجاجات كثيفا، وفاعلا، لم تشهد المرأة سوى انعكاسات العنف المتنامي، والتراجعات تلو الأخرى.
ومع اليوم العالمي للمرأة، الذي سعى فيه كل بلد إلى إعادة تقييم أحوال النساء، بدت أوضاع الدول العربية مخجلة، قياسا إلى دول أميركا اللاتينية أو حتى بعض البلدان الأفريقية، فقد أبرزت دراسة مغربية أن أكثر من 40 ألف حالة استخدام للعنف سجلت في المغرب خلال العام 2014. هذا علما بأن الدستور المغربي الذي أقر عام 2011 يعد متقدما في مجال الأحوال الشخصية عن سابقه، إلا أن المكتسبات القانونية التي كان يفترض أن تنتهز، لم يتم العمل بها على النحو الذي يحقق غاياتها. وتطالب الهيئات النسائية اليوم بتطبيق مبدأ المناصفة. وكانت وزير الأسرة المغربية، بسيمة الحقاوي، قد قالت منذ أيام، إن الحكومة تعتزم تبني مشروع قانون تنظيمي ينص على تشكيل هيئة وطنية للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، بغية تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة. لكن إلى حينه، فإن حال المرأة المغربية يعد سيئا اجتماعيا لكثرة حالات الطلاق وما يترتب عليه من عواقب لغير صالحها، والإنجاب غير الشرعي الذي تتحمل أعباءه، وحالات الفقر التي غالبا ما تنعكس على النساء أكثر من الرجال.
وبالعودة إلى تونس التي تعد رائدة في مجال حقوق المرأة، فإن النساء سجلن انتصارا كبيرا عام 2014، بمحافظتهن على مكتسباتهن الحقوقية في الدستور الجديد، رغم الأخذ والرد الشديدين منذ عام 2011 مع اندلاع الثورة، والمخاوف من انتكاسات أثناء صياغة القوانين لدستور الجمهورية الثانية، إلا أن النقاشات أثمرت لصالح المرأة التونسية التي استطاعت أن تفوز بأفضل القوانين العربية؛ فقد أكد الدستور التونسي في الفصل 46 منه على أن «الدولة تلزم بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة وتعمل على دعمها وتطويرها»، في حين نص الفصل 21 منه على الآتي: «المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز». في حين أرسى الفصل 21 صراحة مبدأ المساواة بين الجنسين في الحقوق والحريات. ومع ذلك لا تزال الأمم المتحدة ترى أن القوانين التونسية تنطوي على بعض الأحكام التي تميز بين الرجل والمرأة، التي يفترض أن يعمل عليها لتعديلها.
وفي 23 أبريل (نيسان) الماضي، أكدت الأمم المتحدة، وفي خطوة متقدمة ومنتظرة منذ عام 2011 أن تونس أعلمتها بشكل رسمي برفع تحفظاتها على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو). وكانت تونس قد أبدت تحفظات على بعض الأحكام القانونية سابقا، ومنها حقوق المرأة في العائلة، رغم انضمامها إلى الاتفاقية.
ومن إنجازات النساء العربيات عام 2014 إقرار قانون العنف الأسري في لبنان، بعد طول كفاح، وبعد أن دفعت عشرات النساء ثمنا من حياتهن، أو عطبا في أجسادهن نتيجة اعتداءات الأزواج التي لم تكن تجد لها رادعا قانونيا. ورغم أن القانون أُقرّ مبتورا ومعدلا ولم ينل رضا الهيئات النسائية، فإن النضال متواصل لتحسين القوانين، وباتت مخافر الشرطة أكثر حساسية وإيجابية في التعامل مع النساء المعنفات.
ومن المفارقات فعلا، أن تكون أوضاع المرأة الفلسطينية، أفضل حالا، من أولئك اللواتي بتن ضحايا ثورات الربيع العربي. فرغم أن النساء الفلسطينيات، هن أول ضحايا الاحتلال، وهناك عشرات القصص عن تعذيب في السجون، واعتداءات جسدية، وحتى حالات إجهاض قسري، فإن السلطة الفلسطينية، وربما نتيجة ضغوط الهيئات الدولية الممولة، لا تزال تسعى لتحسين وضع المرأة. وتحدث الرئيس محمود عباس منذ أيام في كلمته أمام المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، عن احترامه للمرأة واعتبارها الجزء الفعال في المجتمع.
ولفت عباس إلى قيام السلطة بتوقيع الميثاق العالمي للحقوق السياسية للمرأة، الأمر الذي اعتبره في غاية الأهمية. وقال أبو مازن: «حريصون كل الحرص على أن تكون المرأة في الوزارة والمجلس التشريعي والمجلس الوطني والمجالس البلدية، وفي القضاء وفي النيابة العامة والقضاء الشرعي»، الأمر الذي أكد أنه غير موجود في كثير من الدول العربية. وأكمل أبو مازن ممازحا: «المرأة ليست عاجزة أن تفعل المهمة كما يفعلها الرجل، وباقي أن نعين المرأة مأذونة، وفي المستقبل القريب ستكون المرأة مأذونة، ولا ينقصها شيء»، وأضاف: «خطر في بالي لماذا لا تكون المرأة مأذونا شرعيا ورئيسا للسلطة؟!». لكن إلى حينه تبقى المرأة الفلسطينية كما بقية النساء العربيات ضحية الأفكار الاجتماعية التقليدية حول دونيتها، وضحية جرائم الشرف التي يعاني منها الأردن أيضا، بسبب عدم وجود روادع قانونية صارمة وكابحة.
كلما اقتربنا من المناطق الساخنة عسكريا وأمنيا تسوء أحوال النساء. لكن كان لافتا مثلا أن دولة مثل مصر، لم تشهد حروبا، صُنفت في دراسة أجرتها مؤسسة «تومسن رويترز» نهاية عام 2013، على أنها البلد الأسوأ عربيا بالنسبة للنساء. وجاءت الأرقام صادمة. ونشرت «يونيسيف» عام 2013 أن 27 مليون امرأة في مصر ضحايا لختان الإناث، وهو أكبر عدد يمكن أن يوجد في بلد واحد، كما نشرت الأمم المتحدة في العام نفسه أن 99.3 في المائة من المصريات تعرضن لتحرش جنسي. واعتبر عام 2014 من الأعوام التي شهدت نقلة نوعية في حقوق المرأة المصرية، حيث صدور دستور 2014 الذي بمقتضاه حصلت النساء المصريات على العديد من المكتسبات التي أقرها الدستور، لكن رغم ذلك تعد الهيئات النسائية، لا سيما المركز المصري لحقوق المرأة، أن وعودا كثيرة لم تتحقق، خاصة في مجال الحقوق المدنية والسياسية. إلا أنه خلال الأسابيع الماضية، تصاعدت الآمال بأخذ المرأة حقها في العاصمة العراقية بعد أن رشحت ذكرى علوش لتكون أول أمينة لبغداد منذ أكثر من 60 عاما.
وخلال العام الماضي، تظاهر عدد من الناشطات العراقيات احتجاجا على قانون يسمح بزواج القاصرات. وقالت الناشطة الحقوقية العراقية، هناء إدوار: «نعتقد أن هذا القانون جريمة ضد الإنسانية، وسيحرم الفتاة من حقها في طفولة طبيعية».
أما في استفتاء «تومسن رويترز»، فقد صنّف العراق «ثاني أسوأ بلد بالنسبة للمرأة العربية بعد مصر». فيما تشير أرقام البنك الدولي إلى أن 17.4 في المائة من العراقيات فقط يشغلن وظائف تدر عليهن مدخولا.
والنساء السوريات لسن أفضل حالا، فقد أبلغت الشبكة السورية عن 4000 حالة اغتصاب منذ بدء الثورة، كما أن النساء استخدمن للثأر، وكأداة من أدوات الحرب خلال الاشتباكات. وتتحدث تقارير حقوق الإنسان عن حالات زواج بقاصرات بأعداد كبيرة جدا بين اللاجئات السوريات. كما أن النساء الحوامل في سوريا وخارجها يعانين قلة أو حتى فقد العناية الصحية، نظرا لظروفهن الاجتماعية السيئة.
ولعل صور السبايا وأخبار النساء المعروضات للبيع مع تفاوت أسعارهن، تبعا لمواصفاتهن، في المناطق التي سيطر عليها «داعش» في كل من سوريا والعراق، كانت من أسوأ ما تعرضت له النساء العربيات على الإطلاق في العصر الحديث. وبقي المتحاربون يحاولون تجنيب النساء المعارك قدر الممكن، سواء خلال الحرب اللبنانية أو حتى خلال سنوات الاحتلال الأميركي للعراق، إلا أن ارتكابات «داعش» خرقت كل ما كان يتحاشاه المقاتلون، مهما بلغت درجة العنف في السنوات السابقة.
الصورة في اليمن قاتمة للغاية، إذ لا يتجاوز عدد الفتيات اللواتي أتممن تعليمهن الابتدائي نسبة 53 في المائة، بحسب البنك الدولي، ويعد زواج القاصرات والزواج السياحي، الذي تصاعدت نسبته في السنوات الأخيرة، أحد أسوأ صور الاتجار بالبشر، وبعض هذه الحالات أدت إلى الموت، ولا تسعف الأوضاع الأمنية المتردية في إعطاء الأولوية لأحوال النساء مهما بلغ سوؤها.
لعل أسعد النساء العربيات، وأفضلهن حقوقا على ما يبدو، هن اللواتي يعشن في «جزر القمر»؛ فهناك، بحسب دراسة «تومسن رويترز»، رغم أنهن ربات منزل في الغالب، إلا أن الزوجة عند الطلاق تحتفظ بالمنزل والأراضي العائدة للزوج، وثلثهن لهن وظائف دائمة، والقانون يمنع زواجهن قبل بلوغ سن الـ18. وبالتالي صنفت جزر القمر الدولة العربية الأفضل على الإطلاق، بالنسبة للنساء.