منذ مدة ليست بقريبة لفت الانتباه من أن حالة «لا توازن» طرأت على حركة قوى 14 آذار «كضيف ثقيل» الظل عمره سنوات وتحديداً بعد انتهاء الانتخابات النيابية الماضية.
ويلاحظ أن قوى 14 آذار فازت في هذه الانتخابات وفي أكثر من دائرة، وشكل هذا الفوز «صدمة» لدى قوى 8 آذار المنافسة لها في هذه الدوائر، وأبرز هذه المفاجآت كان في دائرتي زحلة والبقاع الغربي (الفوز كان مدوياً دون أي اختراق لا من إيلي سكاف في زحلة،ولا من عبد الرحيم مراد وإيلي الفرزلي في دائرة البقاع الغربي، وكلاهما قبل ظهور نتائج الفرز كان قد حضّر لبرنامج احتفالات أسطوري..!!).
فجماهير 14 آذار لم تخذل قيادتها يوماً بالنزول في السنين السابقة بمئات الآلاف إلى ساحة الشهداء، حيث كانت تلبي النداء بحماس منقطع النظير.. وتملأ الساحات، وهذا ما دفع من مشغّلي محركات التطوير في مسيرة 14 آذار فارس سعيد وسمير فرنجية للقول «بأن جماهير 14 آذار وقيادتها هي من أسست لحركة التغيير في الساحات العربية والتي عُرفت في ما بعد بالربيع العربي».
هذا «الضيف ثقيل الظل»، حلّ على حركة 14 آذار تحديداً بعد اضطرار الرئيس سعد الحريري للاستقرار خارج لبنان لفترة طويلة بسبب الاستهداف الأمني لشخصه، فبدت قوى 14 آذار خلال الثلاث سنوات الماضية كذا 14 آذار!! وليس 14 آذار واحدة..، ما شكّل صدمة لجماهيرها.
بقيت وحدها «الأمانة العامة» حاضرة، ومقاومة بشراسة لهذا «الضيف الثقيل».. ولكن «الأمانة العامة» ليست وحدها 14 آذار، فهناك الأحزاب، والمستقلون، والجماهير، ولكن «مقاومة» الأمانة العامة باجتماعها الأسبوعي، وبمواقفها «سترت» بعض عيوب المشهد العام لهذه القوى، ولكنها بإمكاناتها المحدودة لم تستطع أن تستر كل العيوب!!
يقرّ العديد من قيادات 14 آذار أن هذه القوى لم تنجح في تحويل هذه المسيرة الضخمة أن تكون موجهة من قيادة لها صفة «المؤسسة»، فالمؤسسة الوحيدة في مشهد قوى 14 آذار هي «الأمانة العامة»، وهذه المؤسسة ليست قيادة 14 آذار، فجماهير 14 آذار لم تعد تذكر من هي القيادة لهذه الحركة!! وذلك بسبب ندرة اجتماعاتها، وتعدد مواقفها..
ولو كانت هذه القيادة تحوّلت الى مؤسسة لما كانت تأثرت سلباً بغياب الرئيس سعد الحريري، ولو كان هناك مؤسسة تقود حركة 14 آذار لما كانت برزت هذه الشوائب في مسيرتها..
في الجهة المقابلة أي 8 آذار هل المشهد أحسن حالاً مما هو عليه في مشهد 14 آذار؟
يجيب العارفون ممن عايشوا مسيرة انطلاقة 8 آذار، ان المشهد ليس أحسن حالاً مما هو عليه في الضفة المقابلة، فقوى 8 آذار منذ سنوات طويلة، الوهن والتفكك أصاب صفوفها، وهي بعد رحيل الجيش السوري واجهزته الأمنية ليست بالحال الذي كانت عليه إبان وجود السلطة السورية.
«فلقاء الأحزاب والقوى الوطنية» الذي يضم في صفوفه جميع ممثلي الأحزاب «الوطنية»، تضاءل دوره تدريجياً واختفى نجمه، خاصة بعدما لم يستطع ان يحافظ على استمرار مشاركة العديد من القوى السياسية التي شاركت في بداية انطلاقته، والعديد من قيادات أحزاب 8 آذار كانت تنظر لدور «الامانة العامة» لقوى 14 آذار بعين الحسد، ولكن وجود حزب الله بإمكاناته المتعددة والمميزة كان «يغطي» أحياناً كثيرة الثغرات بل الفجوات الواسعة في مسيرة 8 آذار.
وما أصاب 14 آذار أصاب أيضاً 8 آذار من سلبيات، فهذه القوى أيضاً لم تحول حركتها لتقاد بمؤسسات يُشارك فيها جميع الأحزاب والشخصيات، ولكن قوى 8 آذار كان لها «مرجعية» سواء أكانت «حزب الله» أم «الجهات الأمنية السورية» (قبل 2005) كانت دائماً تعمد لسد هذه «الثغرات»، وكانت تنجح في ذلك لما لها من تأثير كمرجعية لهذه القوى.
إن ما عزمت عليه قوى 14 آذار من إنشاء «مجلس وطني» هو استجابة هامة من قيادة 14 آذار لمطلب العديد من القيادات المؤثرة والمفكرة داخل هذه القوى وفي مقدمها النشيطان فارس سعيد وسمير فرنجية، حيث كانت دائماً رؤيتهما تذهب باتجاه أهمية تطوير عمل ورؤية 14 آذار، خاصة بعدما انجزت هذه القوى عملية تحقيق السيادة للبلد بالتحرر من الوصاية السورية (قوى 8 آذار وتحديداً حزب الله أنجز تحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000، و14 آذار حققت إنجاز التحرر من الوصاية السورية عام 2005)، فهذا التطوير بات أكثر الحاحاً بعد مرور عشر سنوات على انطلاقة حركة 14 آذار، وأن ذلك يتطلب القيام بمراجعة موضوعية للوقوف على السلبيات من جهة، ولبلورة رؤية مستقبلية لدور هذه القوى تُلبّي توجهات جماهيرها، فالقضية ليست انتخابات نيابية فقط، فهناك تطورات هامة وكبيرة طرأت على المشهد السياسي والأمني في أكثر من ساحة عربية، وهذه الرؤية يجب ان تذهب باتجاه تفعيل دور 14 آذار الوطني لتحصين لبنان من تداعيات هذه الأحداث الساخنة وخصوصاً في الجوار السوري.
والسؤال هل «المجلس الوطني» لقوى 14 آذار المزمع انشاؤه سيلبي حاجات التطوير؟
قيادي بارز في 14 آذار يجيب «المجلس الوطني» هو أحد العناوين الهامة والكبيرة للتطوير، ولتفعيل دور العديد من القيادات والفعاليات في المجتمع اللبناني، وهو سيشكل عاملاً مساعداً ودافعاً قوياً لخطوات أخرى على طريق مأسسة العمل في 14 آذار.
إن إنشاء المجلس الوطني، خطوة هامة من متطلبات المرحلة، وبما يضم من قوى وفعاليات سيشكل إضافة نوعية لمسيرة تستحق التطوير، ولايجاد حالة من الاستقرار والتوازن، ووحدة في الرؤية لمواجهة المرحلة الصعبة والخطيرة التي تلف المنطقة.. ومنها لبنان.
بقلم حسن شلحة