في مقابل الانفراج الحكومي بعد العودة إلى جلسات مجلس الوزراء وفق روحية عمل جديدة، بعيداً من الخلافات واستعمال سلاح الفيتو، تبدو الأمور بالنسبة إلى الاستحقاق الرئاسي سائرة إلى مزيد من التعقيد في أكثر من اتجاه، من دون أن تلوح في الأفق بادرة حل من شأنها تعبيد الطريق أمام إجراء الانتخابات الرئاسية في وقت قريب لإخراج البلد من هذا المأزق وتجنيبه مزيداً من الانهيارات على كافة المستويات، وبالرغم من الحوارات الجارية بين تيار «المستقبل» و«حزب الله» و«القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، فإن الوصول إلى قواسم مشتركة بين هذه الأطراف بشأن الملف الرئاسي يبدو بالغ الصعوبة في ظل تمسك كل فريق بمواقفه ورفضه تقديم تنازلات لمصلحة مرشح توافقي يحظى بقبول القوى السياسية.
وهذا الواقع القائم الذي يشي بأن عمر الأزمة الرئاسية سيكون طويلاً، لا ترى أوساط نيابية بارزة في تيار «المستقبل» سبيلاً للخروج منه إلا بحصول تقدم على صعيد المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الملف النووي، خاصة وأن هناك أطرافاً لبنانية متحالفة مع طهران ولا يمكن بالتالي أن تفرج عن الاستحقاق الرئاسي، إلا عندما تقول إيران كلمتها في هذا الموضوع، حيث أن «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» اللذين يرفضان تأمين نصاب جلسات الانتخاب الرئاسي، بامتناع نوابهما عن الحضور، يربطان مصير هذا الاستحقاق بأجندات إقليمية تتعارض ومصالح لبنان وشعبه، مشترطين التوافق على انتخاب النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية لتأمين النصاب، وإلا فإن لا رئيس للجمهورية في المرحلة الراهنة، وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدل على أن هذا الفريق المعرقل قد وضع مفتاح الباب الرئاسي في أيدي الإيرانيين الذين لن يتنازلوا عنه، إلا في حال أثمرت مفاوضاتهم مع الأميركيين إيجاباً بشأن ملفهم النووي وكانوا راضين عما تحقق عن هذه المفاوضات.
وانطلاقاً مما تقدم فإن الأوساط لا ترى مخرجاً من هذا الواقع، قبل الوقوف على نتائج ما ستخرج به اللقاءات الأميركية الإيرانية، سواء تم إحراز تقدم على هذا الصعيد أو بقيت الأمور على حالها من المراوحة، ما يعني أن ساعة الحل الداخلي بشأن الاستحقاق الرئاسي ستبقى موضوعة على التوقيت الإقليمي المتصل بالملف النووي الإيراني، ريثما تصبح إمكانية حلحلة العقد بوجه هذا الاستحقاق متاحة وتعود الأطراف المعرقلة إلى رشدها وتساعد في الإسراع في إجراء الانتخابات الرئاسية من خلال توفير النصاب لانتخاب الرئيس العتيد وإخراج البلد من أزمته لتستعيد المؤسسات الدستورية دورها الطبيعي في إطار تفعيل الحياة السياسية وتعزيز الاستقرار وحماية السلم الأهلي.
وتشدد الأوساط على أن عودة الوئام الحكومي مؤشر طيب يساعد في عودة المياه إلى مجاريها بين الوزراء، ما يمكن الحكومة من تسيير أمور الناس وتأمين الحماية المطلوبة للبلد، في ظل استمرار الشغور الرئاسي وعدم بروز مؤشرات لطي هذه الصفحة قريباً، على أن يمارس مجلس الوزراء مهامه وفق صيغة توافقية مدعومة من المكونات الحكومية للتعامل مع التحديات التي تفرض نفسها بمسؤولية وطنية، لإبقاء الوضع الحكومي متماسكاً ولو بالحد الأدنى، خشية حصول تطورات داخلية لن يكون بمقدور لبنان مواجهتها إذا استمرت حالة الفراغ قائمة، في موازاة استمرار التهديدات الأمنية من جانب المسلحين الإرهابيين على الحدود الشرقية والشمالية وتزايد المخاوف أيضاً من عدوان إسرائيلي على الأراضي اللبنانية.
بقلم: عمر البردان