كشف المبعوث الدولي السابق إلى سورية، الأخضر الإبراهيمي، صعوبة المهمة التي كلف بها، مشيرا إلى أن عدم تعاون أطراف الأزمة معه كان أهم العوامل التي أدت إلى فشل مهمته، وهو ما دعاه في وقت سابق إلى الاعتذار للشعب السوري.
وأكد الإبراهيمي أن بشار الأسد أراد خداع العالم وإيهامه بأن البديل الوحيد لنظامه هو الإرهاب، من خلال استدراج تنظيم الدولة "داعش" إلى محافظة الرقة السورية، وفتح الباب أمامه لارتكاب كثير من الفظائع، حتى يدفع المجتمع الدولي إلى دعمه لمواجهة الإرهاب، أو على الأقل الكف عن محاربته وتضييق الخناق عليه.
وأكد المبعوث الدولي أن النظام السوري خسر الكثير، حتى داخل البيئة الحاضنة له جراء استمرار أمد الأزمة، والخراب الكبير الذي لحق بالبلاد، مشيرا إلى عدم وجود وجه مقارنة بين نظام الأسد، ونظامَي الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، ونظيره التونسي زين العابدين بن علي، لأن النظام السوري قائم على أسس أيديولوجية وعقائدية، كما أنه يتمتع بدعم عسكري واقتصادي قوي توفره له إيران وروسيا. إضافة إلى وجود عشرات الآلاف من المقاتلين الطائفيين.
وأرسل الإبراهيمي رسالة تحذير إلى العالم من خطورة ما يجري في سورية، مؤكدا أن النار التي يحترق بها الشعب السوري لن تقتصر عليه وحده، بل ستمتد آثارها – لو استمر التجاهل الدولي الحالي – إلى كثير من دول المنطقة، مشيرا إلى وجود أكثر من 3 ملايين لاجئ في دور الجوار: لبنان، والأردن، وتركيا، إضافة إلى ما جلبته للمنطقة من عشرات الآلاف من الإرهابيين الذين تدفقوا للقتال إلى جانب تنظيم الدولة "داعش"، وتنظيم جبهة النصرة.
كما قطع بوجود دور علني واضح تقوم به إيران لتأجيج الأزمة في سورية والعراق، مؤكدا أن قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني له دور بارز في استمرار الأزمة السياسية في البلدين.
وحمل الإبراهيمي بشدة على الولايات المتحدة، محملا إياها مسؤولية ما يحدث في العراق حاليا، قائلا إن الغزو الأميركي لبغداد كان خطأ وجريمة وظلما شديدا للعراقيين، حسب وصفه، وأضاف أن ظهور تنظيم "داعش" هو إحدى ثمار الممارسات الخاطئة التي ارتكبتها القوات الأميركية أثناء احتلالها العراق، ما أوجد بيئة موائمة لظهور التطرف في المنطقة.
هذا وغيره من الأسرار تجدونه في تفاصيل الحوار التالي:
بداية، يرى البعض أن غزو العراق هو السبب فيما تمر به المنطقة في الوقت الحالي، هل توافق على هذه الرؤية؟
غزو العراق كان جريمة وخطأ كبيرا وظلما شديدا في حق الشعب العراقي، وعمليا ما زلت أجهل قيام أميركا بهذه الحرب، فقد تم حل الجيش العراقي، وبالتالي انفلتت الأمور في العراق.
أميركا وبريطانيا فشلتا في كل شيء داخل العراق، وهما السبب الرئيس الذي أدى إلى ظهور تنظيم "داعش"، بعد أن هيئتا ظروف وجوده، وكلنا يعلم أن تنظيم القاعدة وأفرعه: "داعش" و"النصرة" لم تكن موجودة قبل غزو العراق، وسبق أن تحدثت مع الرئيس بوش سابقا حول خطورة إقدام الولايات المتحدة على غزو العراق، كما تم تحذيرهم من هذه الخطوة ولكنهم رفضوا وفي الأخير فشلوا.
أطلقت على الديموقراطية في العراق لقب "ديموقراطية الفساد"، فماذا كنت تقصد؟
أنا قلت إن النهب والسلب في العراق كانا محصورين على صدام وخاصته، ولكن بعد انفلات الأمور أصبح الكل يسرق وينهب فأسميتها "ديموقراطية الفساد".
كيف تصف لنا شعورك وأنت أحد السياسيين الذين ناموا ذات يوم في القصر الرئاسي لصدام حسين بعد سقوط نظامه؟
شعور في منتهى السوء والغرابة، وأسوأ أيام حياتي التي قضيتها في العراق وداخل قصر صدام حسين.
تجربة طويلة
كيف توجز لنا تجاربك الطويلة بعد هذه السنوات من العمل الديبلوماسي؟
تجربتي تتجاوز ستة عقود تقريبا وبدأت في عام 1956، قدمت من خلالها خدمة للأهل في الوطن الصغير والوطن الكبير، فيها بعضا من النجاح وجزء من الفشل، واجهت خلالها صعوبات.
حقيقة فإن العمل في الوساطات الدولية هو أنك تقضي ما يمكن أن يصل إلى 800 يوم من العمل الشاق المرهق، وتعيش يوما واحدا من السعادة والفرح، وهو اليوم الذي تحقق نجاحا فيما كلفت به من مهمة دولية.
القضية الأحدث من خلال مهماتك الدولية هي الأزمة السورية، ولكنك صرحت بأن الحل غير موجود حاليا، ألا ترى أنه تصريح محبط للمجتمع الدولي؟
بالعكس، فعندما تضع كل طرف من الأطراف أمام مسؤوليته، فهذا ليس إحباطا، لأن ما أراه من الأطراف المختلفة، داخليا وخارجيا، لا ينبئ بإمكان تحقيق النجاح، ولن ينهي مشكلة الملف السوري، وحديثي أعده بمنزلةة الدعوة إلى كل الأطراف لمراجعة حساباتها، وللخروج من تلك الأزمة، لا بد من تغيير مواقف أطراف النزاع.
مخطط بشار
هل تعتقد أن بشار الأسد ما زال يملك شعبية في الداخل السوري؟
لا، أبدا، فهو فَقَد الكثير، ولكن حركات التطرف والمشاغبات الحركية من بعض الناهبين والمتشددين تدفع بعض السوريين إلى الاعتقاد بأن النظام الحالي - على سوئه - أقل سوءا من بعض التصرفات الهمجية التي تقوم بها القوى المتطرفة.
ولكن يقال إنها سياسة سورية لإيهام الرأي العام العالمي بأن هذا هو واقع سورية لو غادر الأسد كرسي الرئاسة؟
أعتقد أن هذا الحديث صحيح، فمثلا مدينة الرقة السورية استولى عليها تنظيم الدولة "داعش"، والنظام تركها في أيديهم لرغبته في أن ينقل للرأي العام أن ما يحدث في سورية من قوى المعارضة هو إرهاب، وهذا أمر غير صحيح على الإطلاق، فهناك مواطنون سوريون شرفاء يريدون مصلحة بلادهم من خلال إحداث التغيير.
ما السيناريو الذي تتوقعه لحل الأزمة في سورية؟ وما أسباب تباطؤ الخطى نحو الحل؟
سأجيب أولا عن الجزء الأخير من السؤال، فالناس توقعت أن تكون نهاية الأسد على نفس الطريقة التي انتهى إليها الرئيس المصري حسني مبارك، والتونسي زين العابدين بن علي، ما يعني أن رحيله عن السلطة لن يتجاوز مدة الشهر تقريبا، والاستعجال في مناقشة ملف سورية ما بعد الأسد كان خطأ فادحا، وأرى أن التغيير ضروري، ولا بد أن يحدث، ولكنا نحتاج إلى العمل من أجل التغيير وهو مساعدة الشعب السوري للحصول على ما يريده، ومشروع سورية الجديدة رافقه تسرع شديد وعجلة كبيرة غير منطقية.
مخاطر مستقبلية
ماذا يملك بشار الأسد ولم يكن يملكه الرئيسان ابن علي أو مبارك حتى يختلف الوضع؟
نظام الأسد عائلي وطائفي محكم، إضافة إلى جيش متماسك، وكذلك الدعم الخارجي كان أقوى في ظل وجود إيران وروسيا.
ماذا قصدت عندما قلت إن مصالح أطراف النزاع هي التي صعبت التوصل إلى حل سياسي في سورية؟
قلت إن النظام واثق من أنه سينجح في هزيمة الثوار، وبالتالي لا يحتاج إلى أي دعم، ولن يتنازل لأشخاص هو يراهم مجهولين، حسب قول وزير الخارجية السوري، ولكن المعارضة لم تكن مهيأة للحضور إلى اجتماع جنيف، أو الجلوس مع ممثلي النظام، علاوة على أنهم لم يكونوا ممثلين لجميع الأطياف السورية.
ما الخطر الذي من الممكن أن تسببه سورية للمنطقة لو حكمتها الميليشيات؟
سورية هي دولة مهشمة حاليا، وأخشى أن تكون مقبلة على "صومال جديدة"، وأزمة بهذا الحجم لا يمكن أن تقتصر على حدود بلد واحد، ولا بد أن تمتد إلى خارج الحدود عن طريق الأعداد الهائلة من اللاجئين في لبنان، وتركيا، والأردن، فهناك أكثر من 3 ملايين لاجئ في تلك الدول جياع وحفاة لا يملكون أي شيء.
هل هناك دولة من المنطقة العربية عملت على تقويض السلام في الداخل السوري؟
الأصح أن هناك دولا لم توفق في تقديم أفكار ومشاريع بناءة لمساعدة الشعب السوري للخروج من أزمته.
حديث فارغ
المندوب السوري بشار الجعفري قال إن الأخضر الإبراهيمي تدخل في الشأن السوري الداخلي، وعلى السيادة السورية ومن حديثه أنك اعترفت بأخطائك كممثل للأمم المتحدة في القضية السورية؟
مع أنه ديبلوماسي عمل باستماتة للدفاع عن النظام في بلاده، إلا أن حديثه هذا فارغ، ولا يستحق الرد. أنا اعتذرت للشعب السوري لأنني لم استطع تقديم ما يساعده، وأعترف أننا فشلنا في حل الأزمة السورية، ولكن هو حاول أن يصور الوضع كأن النظام على حق، ونحن على باطل وكلامه لا يستحق الرد أو التعليق بأكثر مما قلت، والفشل الذي تحدثت أنا عنه أن الأطراف لم تساعدنا بالشكل المطلوب. ومعلوم أن الوسيط إذا لم تتعاون معه جميع الأطراف فإن نهاية مهمته هي الفشل الذريع.
ما صحة تذمر الأمم المتحدة من تدفق السلاح للنظام والمعارضة في سورية بشكل أثر على الأزمة؟
النظام يحصل على التمويل بشكل كبير جدا، والأمين العام قال "إذا كان الهدف هو الوصول لحل سياسي سريع، فيجب أن يتوقف إمداد السلاح عن الجميع"، وأن يتوجه الكل إلى الحل السياسي بدلا من السلاح.
تعنت الأسد
هل ما مرت به بعض دول المنطقة هو ربيع عربي أم مجرد مظاهرات واجهها قمع من الأنظمة الحاكمة؟
الذي يحدث أمامنا يؤكد أنها مظاهرات، وحدث قمع من الأنظمة، ولكن المنطقة تتطلع إلى التغيير، والقيادات في كثير من البلاد العربية تستطيع قيادة التغيير إذا اعترفت بوجود نواقص كثيرة، وأحيانا لا تتعدى المطالب الحرية، والكرامة، وتوفير الغذاء، وهي مطالب مشروعة. السوريون في بدايات مظاهراتهم كانوا يرددون "سلمية.. سلمية، حرية وكرامة"، ولم يطلبوا تغيير النظام كما حدث في تونس، مطالبات السوريين كانت مشروعة، وكان ينبغي أن توفر لهم.
اتهمت المعارضة السورية باستخدام السلاح الكيماوي، هل هذا الاتهام لتخفيف حدة الغضب عليك من نظام الأسد؟
"ضاحكا": هذا الحديث غير دقيق. أنا قلت إن الأميركان قالوا نحن واثقون من أن النظام استخدم السلاح الكيماوي في سورية، والروس يقولون إن المعارضة هي التي استخدمت السلاح الكيماوي.
هذا ما قلته تحديدا، ولم أتهم أي طرف بعينه، كما أن لجنة التحقيق التي ذهبت إلى سورية حذرها مجلس الأمن من فصح الجهة التي استخدمت الكيماوي، وطلب منها فقط إثبات استخدامه على الأراضي السورية، بغض النظر عن الجهة المستخدمة، وكما هو معروف فإن الأمم المتحدة ليست لديها أجهزة مخابرات تعرف خلالها ما يدور في بقية دول العالم.
جريمة الكيماوي
هل هناك نية لدى الأمم المتحدة لرفع أسماء مستخدمي السلاح المحظور إلى محكمة الجنايات؟
الملف تم تسليمه للأمين العام، وبه كثير من الأسرار حول استخدام الكيماوي في سورية، وتم كشف الأسماء في تقرير عن التجاوزات الإنسانية، ومحاكمتهم من عدمها سابق لأوانه قبل الكشف عن هوياتهم.
هل ترى أن لقائد فيلق القدس، قاسم سليماني علاقة فيما يحدث في العراق وسورية حاليا؟
نعم، هذا مؤكد، وذلك لنفوذه الكبير جدا وأدواره في العراق مثلا، فكل الميليشيات العراقية معلوم أن لها ارتباطا وثيق الصلة بإيران، وسليماني هو الشخص المنتدب للتعامل مع هذه الميليشيات، والنفوذ الإيراني في العراق يفوق النفوذ الأميركي، ولها نفوذ في سورية أكثر من روسيا، وهذا النفوذ الذي يديره بشكل مباشر هو قاسم سليماني بلا شك.
هل ترى غياب إيران عن مؤتمر "جنيف 2" كان سببا في تعقيد القضية السورية؟
نعم، ونحن قلنا مرارا إن إيران جزء من المشكلة، ولا بد أن تكون جزءا من الحل، ولا يعني أن يكون الحل هو إعطاؤهم كل ما يريدونه ولكن على الأقل إفهامهم بأن الحل هو تغيير سياستهم في العراق وسورية.
خطأ أميركي
خلال إدارتك ملف العراق سابقا رفض السيستاني الجلوس على طاولة أي مفاوضات، ما الأسباب؟
رفضه كان يخص الجلوس على طاولة يوجد بها أحد من الأميركان، لكنه جلس معي مدة ساعتين، وتم الاتفاق معه على موضوع الانتخابات، وأن يتم التأجيل حتى نهاية الفوضى في العراق.
كنت تطالب دول الجوار الليبي بأن يحاولوا إقناع القذافي بالتنحي عن الرئاسة، فلماذا رفضوا؟
نعم، طلبت من قادة مصر والجزائر أن يتدخلوا سياسيا، ويخبرونه أن 40 عاما كافية على كرسي الحكم، وأن يخرج بكرامته، لكنهم رفضوا بحجة أن القذافي صاحب شخصية مضطربة وغريب التصرفات، ولكن هذا لا يعفيهم، فلو أنهم جربوا محاولة واحدة ربما كان الوضع سيختلف.
بماذا تصف تنظيم "داعش"، وهل تجاوز ما كان متوقعا عنه؟
أنا لا أعرفهم كي أصفهم، ولكن أسمع أنهم يريدون إعادة دولة الخلافة الإسلامية في الدول التي يسيطرون على أجزاء منها، أما تجاوزهم للمتوقع فالذي حدث أنه تم تجاهلهم في البداية، وكان ينظر إليهم باهتمام في الداخل السوري، على عكس الوضع في العراق، على الرغم من أنهم أتوا منه، وكان تنظيمهم أكثر نشاطا في العراق منه في سورية، وهناك مسؤول عراقي أكد لي أن كل عملية لداعش في سورية تقابلها 10 عمليات في العراق، وفي الحقيقة التنظيم ليس قنابل تنزل من السماء، لكنه تنظيم يقف خلفه مشروع سياسي بلا أدنى شك.
المصدر: الوطن أون لاين