مع أن تدمير تنظيم داعش في العراق يمثل اولوية قصوى للولايات المتحدة، الا انها اختارت النأي بنفسها عن دعم عملية عسكرية واسعة يشرف عليها الحرس الثوري الايراني وفصائل شيعية مدعومة من طهران لاستعادة مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين (شمال بغداد) من سيطرة المتشددين، وهي عملية رأت فيها واشنطن إيجابية لكنها حذرت في الوقت ذاته من احتمال اندلاع فتنة مذهبية.
فميدانياً، كشفت مصادر عراقية مطلعة لـ"المستقبل" أن "ايران ارسلت خلال اليومين الماضيين وعلى عجل، كتائب عسكرية من الحرس الثوري لدعم فصائل شيعية تخوض غمار معارك شرسة في ضواحي تكريت"، مشيرة الى ان "مجموع ما تم ارساله من مقاتلين بلغ نحو 1000 عنصر من الحرس ينتمون لقوات النخبة، تم نقلهم فورا الى قيادة عمليات سامراء".
وبينت المصادر ان «نحو 150 عنصرا من مقاتلي حزب الله اللبناني منتشرون في سامراء وبعضهم انضم الى فصائل في مليشيا الحشد الشعبي التي تخوض معارك قرب تكريت باشراف الجنرال قاسم سليماني قائد قوة القدس الايرانية" وان "مقاتلات ايرانية من نوع سوخوي شاركت في قصف معاقل المسلحين في تكريت".
وحاولت القوات المهاجمة "محاصرة" مقاتلي "داعش" في تكريت ومحيطها، وقطع خطوط امداده قبل مهاجمة مواقعه داخلها، في اليوم الثالث من العملية العسكرية.
وقال الفريق الركن عبد الامير الزيدي، قائد عمليات دجلة ومقرها ديالى، لوكالة "فرانس برس": "الهدف من عملياتنا هو منع داعش من تنفيذ الهجمات وقطع طرق الامداد والتواصل ونقل عناصره ومحاصرة المدن بشكل تام وخانق كي يتم الانقضاض عليهم".
واوضح ضابط برتبة لواء في الجيش ان "العمليات مستمرة حسب الخطة التي تم الاعداد لها مسبقا، فقطع الامداد وتطويق المدن من مقومات النصر لتلافي وقوع خسائر ومنع التنظيم من شن هجمات جديدة". اضاف ان القوات "تتقدم تدريجا وببطء بسبب تفجيرات القنابل على جانب الطرق ونيران القناصة، لكن نحقق الاهداف وفق الخطة".
وقال المتحدث باسم الشرطة العقيد محمد ابراهيم ان عمليات القصف «اجبرتهم (عناصر داعش) على الفرار"، وان الاخير "يعتمد على العبوات الناسفة والسيارات المفخخة المدرعة، ولا يعتمد اسلوب المواجهة".
وأكد زياد العجيلي عضو مجلس محافظة صلاح الدين ان "القوات الامنية سيطرت بالكامل على المجمع السكني لقضاء الدور، فيما لاتزال المعارك مستمرة على اطراف تكريت والدور وسط مقاومة شرسة من عناصر تنظيم داعش".
واوضح العجيلي ان "القوات الامنية تتقدم من الناحية الشرقية لمدينة تكريت وتبعد الان نحو كيلومترات دون اي مقاومة قوية من داعش"، لافتا الى انه "من المحتمل السيطرة على ناحية العلم والبو عجيل وبقية النواحي خلال يوم واحد فقط".
كما اعلن مروان جبارة المتحدث باسم مجلس شيوخ عشائر صلاح الدين ان "القوات الامنية حررت في المحور الاول من الهجوم قرى سيحة الملح وطار المخابيل ومزرعة عبدالله الجباره وقرية نايل الرحيم الواقعة على طريق العلم الذي يربط العلم مع طريق كركوك والذي هو بطول كم حيث حررت مسافة كم منه".
واضاف ان "القوات الامنية اتجهت في المحور الاخر من الهجوم الى حقل عجيل النفطي الذي اصبح بمرمى نيرانها» مؤكدا ان "القوات تتجه لتحرير قرية المناهلة وخان الملح القريبة من حقل عجيل النفطي الذي توقف عن العمل بعد كان مستغلا من عناصر تنظيم داعش".
وفي ذات السياق أفاد مصدر عسكري أن القوات الأمنية تمكنت من تحرير منطقة وقرية في قضاء الدور (شرق تكريت) من عناصر تنظيم داعش، مشيرا الى ان "عملية كبيرة انطلقت لاستعادة مركز قضاء الدور الذي يسيطر عليه التنظيم". وقال العجيلي إن "بعض المصادر المحلية في ناحيتي البو عجيل والعلم أفادت بهروب عدد من قيادات داعش مع عوائلهم الى الموصل".
واعلن التنظيم ان ثلاثة من عناصره نفذوا ثلاث عمليات انتحارية امس. وقال في نشرة من "اذاعة البيان" التابعة له، ان ثلاثة انتحاريين فجروا ثلاث شاحنات مفخخة "على تجمعات للجيش الصفوي وميليشياته الرافضية بالقرب من مدينة سامراء". كما استهدف التنظيم رتلا عسكريا قرب قاعدة سبايكر، بحسب الاذاعة.
وباتت واشطن على بينة من نجاح قيادة إيران لعملية تكريت وأن ذلك قد يصب في مصلحتها مع ادراكها ان اي تأثير ايراني خارج سياق جهود محاربة "داعش" قد يؤدي الى اثارة تداعيات مذهبية ستلحق الضرر بخطط الاطاحة بالتنظيم المتشدد وتحول العراق الى ساحة صراع شيعي ـ سني محتدم.
وقال رئيس الهيئة مارتن ديمبسي في خلال جلسة استماع أمام لجنة الشؤون العسكرية في مجلس الشيوخ إن "ما نشاهده في عمليات تكريت يمثل الدعم الإيراني الأكثر وضوحا والذي يتمثل من خلال المدفعية وأمور أخرى"، مرجحاً أن "يتحول الأمر إلى مشكلة إذا ما نتج عنه توترات طائفية".
وأضاف ديمبسي أن طثلثي القوات المشاركة في معارك تحرير تكريت مؤلفة من عناصر ميليشيات شيعية مقرها إيران فيما يشكل تعداد القوات الحكومية العراقية نحو الثلث فقط"، مؤكدا أن طالتدخل الإيراني سيكون إيجابياً إذا ما تصرفوا بشكل معقول وأنقذوا تكريت من سيطرة تنظيم داعش". وقال المشرف على عمليات قوات التحالف في العرق لويد أوستن خلال الجلسة ان "حملة الغارات الجوية لطائرات التحالف في العراق أسفرت عن مقتل 8,500 مقاتل من مسلحي التنظيم منذ الشروع بها في اب (اغسطس) الماضي»، لافتا إلى أن "داعش لم يعد قادرا على احتلال أي مساحة جديدة من الأراضي بعد تدمير خطوط إمداداته".
ومن بغداد أكد السفير الأميركي في العراق ستيوارت جونز أن الحكومة العراقية لم تطلب مساعدة التحالف الدولي في العمليات العسكرية الجارية الآن في صلاح الدين. وقال خلال مؤتمر صحافي عقده في مبنى محافظة النجف التي زارها امس، إن "الولايات المتحدة الأميركية فخورة بشراكتها مع القوات العراقية التي أحدثت تأثيرات ضخمة في إضعاف داعش"، معربا عن أمله بـ"تنسيق أكثر معها من خلال الضربات الجوية والاستشارة والمساعدة والتجهيز والتدريب".
وأضاف جونز أن "بلاده تعتمد على القوات العراقية في التنسيق مع الحشد الشعبي والمجاميع الأخرى التي تحارب التنظيم ونتج عنها نتائج جيدة"، مشيراً إلى أن "الجهات العراقية لم تطلب دعما جويا دوليا في حملتها في تكريت".
ولفت السفير الأميركي في العراق الى أن "القوات الأميركية دعمت القوات المسلحة العراقية خلال المعارك في ناحية البغدادي من خلال الضربات الجوية ووحدة المارينز في قاعدة عين الأسد التي تعمل على استشارة وتدريب القوات العراقية".
وفي تأكيد تركي للمشاركة في المعركة ضد "داعش"، قال وزير الدفاع التركي عصمت يلماظ امس ان بلاده ستدعم العراق، بما يشمل تدريب قواته وتجهيزها، وذلك خلال مؤتمر صحافي عقده في بغداد مع نظيره خالد العبيدي.
وقال يلماظ: "سوف تستمر تركيا في تقديم الدعم للعراق من اجل وحدته وسلامته وسلامة اراضيه". ونقل استعداد بلاده "طلتقديم الدعم اللوجستي بالاضافة الى تدريب القوات المسلحة العراقية وتجهيزها"، مشيرا الى قيام انقرة "بتقديم الدعم من ناحية التدريب والتجهيز الى قوات البشمركةط الكردية في شمال العراق.
وقال العبيدي ان نظيره "طابدى استعدادا كاملا لمساعدة العراق في كافة المجالات، سواء في مستوى التدريب او التسليح او التجهيز"، مؤكدا ان الاتراك مستعدون لتقديم "كافة المساعدات التي ستسهم في مساعدتنا في مكافحة الارهاب والقضاء عليه".
واعتبر ان "الزيارة في هذا الوقت الصعب الذي يمر به العراق تعطي اشارة ايجابية ان العراق ليس وحده في هذه الساحة ضد الارهاب". وقال "نعتقد، وهم يشاركوننا الرأي، أن الامن القومي العراقي هو عمق للامن القومي التركي، والعكس صحيح".