عندما سُئل ونستون تشرشل، رئيس وزراء المملكة المتحدة سابقاً، عن سبب هزيمته في الانتخابات، علّق قائلاً: “الانجليز يعرفون أني قائد حرب و ليس رجل سياسة.. يبدو أنّهم يريدون بناء دولة لا أن يخوضوا حرباً جديدة”.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الهزيمة الانتخابية قد جاءت مباشرة بعد أن حقق رئيس الوزراء البريطاني هذا لبلاده نصراً تاريخياً مؤزّراَ في أكبر حرب شهدتها البشرية على الإطلاق، إلّا أنّ الشعب الإنجليزي العظيم وعى لحقيقة عظيمة هي أن من يقود الحرب وإن انتصر فيها هذا لا يعني أبدا أنه مؤهل لقيادة مرحلة السلام والبناء.
وأدركوا أيضاً أنّ استمرار قائد حربي على رأس السلطة يعني بالضرورة الذهاب إلى مزيد من الحروب، وكذلك إلى مزيد من خوض المعارك، لأن هذا الميدان هوفقط ما قد يتقنه أو يفكر من خلاله.
ومما لا شك فيه بأن خياراً بحجم إبعاد قائد تاريخي بهذه العظمة وهو في أوج زهوه وبريقه إنما ينم عن وعي جماهيري قد يكون إستثنائيا في فهم وتقدير مصالح البلد، وبعيد كل البعد عن سذاجة تأليه الزعيم وتخليده.
أعتقد جازما في هذا المجال اننا بأمس الحاجة إلى استحضار هذه المحطة المفصلية من تاريخ الشعوب في مقاربتنا للحديث عن سماحة الأمين العام لحزب الله كقائد لا يقل أهمية من الناحية العسكرية عن تشرشل، فلا شك ولا ريب ان ما حققه حزب الله من انتصار على العدو الإسرائيلي ودحره عن أرضنا وتحرير جنوبنا في أيار 2000 قد يستحق بجدارة أن يوضع في خانة الانتصارات التاريخية على الأقل من وجهة نظرنا نحن الجنوبيون.
إلا أن ما هو غائب عن إدراكنا هو أن استمرار سماحة السيد على رأس حزب يمتلك كل هذه الترسانة العسكرية وكل هذه المقدرات الحربية يعني بالضرورة أخذ اللبنانيين بشكل عام والشيعة بالخصوص إلى حروب لن تتوقف ولن تهدأ، وهذا ما نشهده على أرض الواقع وهذا هو حال الطائفة الشيعية المستنفرة على الدوام.
وليس صحيحا ان حزب الله انما بذلك ينفذ اجندة إيرانية، هي التي تزج به بالحروب بدون رغبة منه، ان لم أقل بدون رغبة من جمهوره أيضا، وهذا ما قد يفسر ظاهر الصمت والسكوت المطبق فوق رؤوس معظم أبناء الطائفة الشيعية الا ما ندر من أصوات معارضة على مشاركة الحزب في الحرب السورية، وذهاب كل الرهانات التي كانت تفترض ما يشبه حراك استنكاري شيعي اذا ما وصل عدد الضحايا في هذه الحرب إلى عدد المئة !
فها هو عدد شهداء الحزب قد تخطى المئات ولا يزال الشيعة يدفنون شبابهم يوميا بدون أي ردة فعل تذكر، وانا اكاد اميل هنا إلى الرأي الذي يقول بان شيعة لبنان وعلى رأسهم السيد حسن هم من ورطوا ايران بهذه الحرب وليس العكس.
فهل سيأتي اليوم الذي يدرك فيه الشيعة بلبنان ان استمرار تواجد قائد حرب في موقع القيادة يعني انهم لا يريدون بناء دولة وانهم مستمرون في خوض المزيد من الحروب بغض النظر عن مبرراتها ونتائجها.
هنا يكمن السؤال الحقيقي وكل ما دون ذلك ما هو إلا تفصيل.