وُجِدوا قبل المسيح بسبعة آلاف سنة، وهم من أقدم الشعوب التي اعتنقت المسيحية منذ القرن الأول الميلادي. ساهموا في نموّ هذه الديانة لاهوتياً ونشرها في مناطق آسيا الوسطى والهند والصين. سكنوا بلاد ما بين النهرين، العراق وسوريا وتركيا وبأعداد أقل في إيران، إنهم الآشوريون محطّ أنظار العالم اليوم، بعد تعرّضهم لهجوم "داعش".
الآشوريون من سلالة سام أب آشور، وهو مذكور في تكوين الفصل العاشر (سام ابن نوح). والامبراطورية الاشورية هزمت الكثير من الجيوش ومنحت حضارتها الى الكثير من الأمم الأخرى، الا ان نهايتها كانت مؤسفة في ربيع عام 612 ق م حين قام البابليون والميديون بهجمات قوية لفتح نينوى . وتحالفت قوى الطبيعة أيضاً مع الأعداء لتحطيمها وتخريبها، لأن الأمطار القوية أدت الى فيضان نهر دجلة، فهكذا حطمت السيول الاسوار العالية، بحسب خادم رعية كنيسة مارجيوارجيوس الآشورية في لبنان الأب سرجون زومايا في حديثه لـ"النهار".
ويقول انه "بعد سقوط نينوى أسس الاشوريون ﻷنفسهم حكماً آخر أصغر بكثير، وذلك بالاتفاق مع الرومان الاقوياء في ذلك الوقت، واستمر هذا الحكم الى سنة 336 ميلادية حين نشبت حرب شعواء بين الروم والفرس، وانهزم الروم وسقطت مدينة اورهي بيد الفرس عندئذ طرد الاشوريون من مملكتهم وانتهت المملكة". ويضيف: "في هذه الظروف المؤسفة كان قسم من الاشوريين لا يزالون تحت حكم الفارسي، مبعثرين في اورهي التركية وفي نصيبين وفي سوريا وقسم في انحاء الموصل وغيرها".
أخبار ذات صلة رجل دين آشوري لـ"النهار": هكذا قتل "داعش" قريبي وخطف آخر واغتصب فتاة بالفيديو: في واحدة من جرائم العصر..."داعش" يدمر آثار متحف الموصل! الآشوريون في الأصل هم من العموريّين الذين تبنّوا اللغة الأكادية ومن ثم اختلط العموريون الآشوريون الأوائل بالشعوب الجبلية الحثيين والحوريين شمال العراق وبالكلدانيين الآتين من بابل واختلطوا بالآراميين (قبيلة الأخلامو والنبط) وقبائل العريبي أو الأعربي (قبائل قيدار وقيدم وجندبو وسبأ وثمودي) التي أخصعها الآشوريون في القرن 9 ق.م.
أصل التسمية
"هم من علّموا العالم الابجدية والحضارة، وساهموا في تأسيس علم الفلك" بحسب زومايا. واشتهر الآشوريون بصيد الأسود، وعرفوا بالقوة والبأس، ومن أشهر إبداعاتهم تطوير وسائل الدفاع والحصار وأدوات القتال. وبرزوا في فنّ النحت. أما أشهر ملوكهم، آشور ناصربال الثاني (884-858 ق. م.) سنحاريب (705-681 ق. م.) آشور بانيبال (669-629 ق.م) .
أما اسم "آشور" هو من "آشارو" الآكادية (الآشورية القديمة) التي تعني البداية وهذا كان اسم الله بالآشورية كونه بداية كل شيء، وإلى هذا الاسم انتسب الشعب الذي عرف هذا الإله غير المنظور، وهذا ما تثبته صلوات الملوك الآشوريين. وبعد أن انقسمت كنيسة المشرق إلى طوائف أتت تسميات عدّة على الآشوريين، لكن الاسم القومي الوحيد لمسيحيي العراق والجزيرة السورية هو "آشوريون".
و يرتبط الاسم الآشوري اليوم مباشرة بالآشوريين القدماء، الذين اعتنقوا المسيحية في العراق على يد القديسين ماري وتداوس (أداي).
ما وراء الفرات
توسّعت الإمبراطورية الآشورية في القرن الثاني عشر ق.م. إلى ما وراء الفرات وفي القرن التاسع ق.م. باشر الملوك الآشوريون بسياسة فعالة للاستيعاب والدمج، هدفها وضع حدٍّ نهائي للثورات اللامتناهية التي أغاظت الإمبراطورية في السابق. وقد ظهرت نتائج هذه السياسة الجديدة بسرعة حيث ضُمّت البلدان المتمرّدة إلى الإمبراطورية كمقاطعات جديدة. ووفقاً لهذا النهج، تم ترحيل مئات الألوف من السكان إلى الأقسام الأخرى للإمبراطورية والبلد المضموم كان يتمّ تنظيمه وفقاً للنمط الآشوري.
حروب وتفكّك
استمرت الإمبراطورية الآشورية الحديثة منذ سنة 934 ق.م. وحتى سنة 612 ق.م. وقد نافست كل من بابل وأورارتو وعيلام ومصر على زعامة العالم القديم، وأصبحت بمجيء تغلاث فلاسر الثالث أقوى إمبراطورية في العالم القديم، بعد أن تمكّنت من الانتصار على هذه الممالك. واستمرت هذه الإمبراطورية حتى سقوط عاصمتها نينوى بيد البابليين والميديين. وقد توسّعت الامبراطورية الآشورية حتى مصر والأناضول مروراً بسوريا. وبحسب زومايا "وقعت الحروب والنزاعات على الامبراطورية الآشورية فضربها التفكّك والتشتت، ولن أقول فنيت مملكة آشور". فبعد حرب أهلية مطولة عام 612 ق.م استطاع البابليون والميديون الخاضعون سابقاً لبلاد آشور أن يقهروا ويدمّروا نينوى عاصمة الإمبراطورية الآشورية. بعد ذلك بثلاث سنوات سحق المتمرّدون العاصمة الآشورية الغربية "حران" ضاربين آخر خندق للمقاومة لملك بلاد آشور الأخير آشور اوبَلُيط الثاني. "عام 663 قبل المسيح ختم مصير الإمبراطورية الآشورية، وهنا ينتهي عادة عهد الآشوريين في كتب التاريخ وذلك عندما حصل هجوم من عدة شعوب على المملكة فسقطت".
المجازر التي حلّت بالآشوريين ابتداء من تيمورلنك في القرن الرابع عشر مروراً الى بدر خان بداية القرن التاسع عشر وصولاً الى الحربين العالميتين والاضهاد الكبير من الدولة العثمانية، أدّت إلى تناقص أعدادهم، و"يبلغ عددهم اليوم حوالي 35 الف في العراق و30 الف في سوريا و1500 في لبنان"، واستطرد زومايا "خلال الحربين العالميتين هرب الآشوريون من العراق سوريا وايران وجورجيا من الهجمية العثمانية، حيث تم ذبح واضطهاد الآشوريين لاسيما السرياني الارمني منهم".
الآشوريون اليوم
أصبح الآشوريون بعد استقلال سوريا والعراق ينتمون الى الأقليات الدينية الهامة فيهما. وقد سكن معظمهم في المناطق الريفية حتى الستينات عندما بدأوا بالهجرة إلى المدن بحثاً عن العمل، كما هاجر في الوقت عينه العديد منهم إلى الولايات المتحدة ولاحقاً إلى دول أوروبا الغربية. شأنهم شأن باقي مسيحيي العراق، كانت الهجرات المتلاحقة بالمرصاد للأقلية الأشورية من الحرب العراقية الايرانية مروراً بحرب العراق 2003 وصولاً الى زمن "داعش" الأسود الذي يبيد الحجر والبشر محاولاً محو الحضارة الانسانية.