في شهادته أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي ساوى وزير الدفاع الأميركي الجديد آشتون كارتر قبل أن يتسلم منصبه ما بين إيران وتنظيم داعش «كأكبر خطرين على الأمن القومي الأميركي»، عندما كان يتكلم عن تمدد النفوذ الإيراني في العراق.
وفي حين يكثر الحديث عن «داعش» وفظاعاتها، بدأ بعض المراقبين يشير إلى الفظاعات التي ترتكبها الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق. ويقول فيليب سميث المتخصص في الميليشيات الشيعية والباحث في جامعة مريلاند الأميركية، إن أكبر فيلق من المقاتلين الأجانب هم من الشيعة ويتم تجنيدهم من الهند وأفغانستان وأفريقيا.
تركز إيران على تجنيد «الهازارا» (الشيعة الأفغان) تدربهم وتضمهم إلى لواء «أبو الفضل العباس» للقتال في سوريا. ومنذ عدة أشهر بدأت تنشر إعلانات في لغة «الأوردو» لتجنيد الباكستانيين من أجل المجيء إلى العراق، وقد تكبد هؤلاء خسائر، وجرى مأتم أحدهم في مدينة قم الإيرانية. يقدر سميث عدد المقاتلين الأجانب من الشيعة في سوريا والعراق بـ10 آلاف باستثناء الأفغان والحرس الثوري الإيراني. منذ عام 2012 بدأ الأفغان قتالهم في سوريا، ثم أرسلوا إلى العراق وأعطوا مهمات جديدة. يقول سميث: «يجب أن ننظر إلى الأفغان ضمن خطة استراتيجية كبرى. لنفترض أن الحرب انتهت في سوريا، وتستعد الولايات المتحدة للانسحاب من أفغانستان، إيران مددت نفوذها في حيرات، وتحاول التمدد بين المجموعات الشيعية شرق أفغانستان، هي ستحتاج إلى المقاتلين الأفغان للقتال لاحقا في أماكن مختلفة من أفغانستان، ثم إنهم يساعدون على إيصال الرسالة الإيرانية بأنها زعيمة الشيعة في العالم».
يتساءل سميث: «وكم شيعيا في العالم يؤمن بـ(ولاية الفقيه)؟ ليس بكثير، هذا ما تخطط له إيران، تريد أن تقول لكل شيعة المنطقة إنها تحميهم فيصبحون قوة فعالة وتأمل في النهاية أن ينظروا إلى المرشد الأعلى علي خامنئي على أنه (المرجع) كونه الأقوى». أقول له: «لكن إيران تجلب لهم القتال وليس الاستقرار والازدهار»، فيقول: «يجب أن نتذكر أن الخميني نفسه قال: كل المسلمين يحتاجون إلى (الولي الفقيه)، وهذا يشمل الشيعة والسنّة، وتحاول إيران تدريجيا دفع هذه الرسالة لقيادة كل الإسلام». يضيف: «في الوقت نفسه تريد دفع الرسالة الشيعية على أنها (حالة دفاع عن النفس)، فتنعت كل أعدائها من السنّة بالتكفيريين، ونجحت في ذلك، وهذا تسبب في انقسام عمودي كبير، وصار الناس يتحدون (الرسالة الإيرانية) برفع العلم الأسود، نكاية ليس أكثر. أكبر إثبات على ذلك ما يحدث في لبنان، يقوى حزب الله ويتمدد خارج لبنان، يريد الآخرون إثبات أنهم أقوياء فيرفعون علم (داعش)».
لكن هذا ما يريده الإيرانيون، يريدون أن يظهر أعداؤهم وكأنهم أكثر راديكالية. يؤكد ذلك ويضيف: «وبالتالي فإن الإيرانيين يحتاجون إلى القتال من أجل تثبيت الواقع الذي يحاولون فرضه. هذا يفيدهم، لأنه إذا نظرنا إلى هذا الواقع بعيون غربية أو شرق أوسطية نقول: حسنا، الإيرانيون ليسوا راديكاليين كالآخرين، وهذا ما يتردد». يقول سميث إنه سمع في جولاته في الدول العربية من يقول إن إيران تريد أن تجعل الإسلام فارسيا. يستبعد ذلك. هي تريد دفع آيديولوجيتها وهذه ليست بالضرورة فارسية. تريد أن تقود ليقبل الآخرون «ولاية الفقيه»، وكي تنجح فمن مصلحتها استمرار القتال، وكونه لا يوجد كثيرون يدعمون هذه الآيديولوجيا فإنها تحتاج إلى كثير من المال والجهد، لكن كما يقول، إذا جعلت الشيعة يشعرون بأنهم مهددون بوجودهم من «داعش» فإنهم سيلتفون حول من يحميهم، لذلك سيستمر الإيرانيون في تشجيع الانقسام، رغم نفيهم، حتى يسودوا ويسيطروا.
أسأله: «لكن كيف يستطيعون السيطرة على الدول عبر ميليشيات تابعة لهم؟». يجيب: «إيران لا تستعمل فقط ميليشيات تابعة، لننظر كيف يعمل حزب الله في لبنان: لهم نواب ووزراء في الحكومة، إذا كنت غربية تعجبين بذلك، تعتقدين أنهم معتدلون». يضيف: «ثم هناك تحويل المجتمع، وهذا يجري عبر عدة وسائل. في لبنان كشافة الإمام المهدي، يعلمونهم عظمة (ولاية الفقيه)، وأنه يجب أن يكونوا مخلصين لها. يعلمونهم ببطء وتدريجيا، ثم يستعملون الأموال لبناء مشاريع، مستشفيات، مدارس تعلم اللغة الفارسية، شق طرقات... إلخ.. لإيران ميزة النفَس الطويل، تحاول ببطء تطبيق استراتيجية تحويل المجتمعات».
يشرح كيف تنظر إيران إلى الشيعة في الدول الأخرى، تعطيهم صوتا جديدا، حتى لو أن الشيعة العرب لا يرتاحون لخامنئي، لكنهم يستمرون بمشاهدة تلفزيون «العالم» لأنه يغطي مظاهراتهم. تريد إيران أن يكون لها تأثير على بعض المجموعات الشيعية العربية، لهذا وضعت الصراع في إطار «أزمة وجود» فيتفاعل هؤلاء خصوصا إذا ما رأوا أن مقدساتهم تدمر، يصدقون.
لكن إيران تشجع هؤلاء على افتعال مشكلات كبيرة، مثلا كثرت المناسبات الدينية التي لم نكن نسمع عنها سابقا، وهذا ما يثير ردود فعل الآخرين. يقول سميث: «الانقسام الإسلامي ينفع إيران. عندما نتعاطى مع نظام آيديولوجي لديه المال سمح أن يعاني شعبه في ظل المقاطعة لسنوات طويلة، ندرك أن الأهم بالنسبة إليه هو (الهدف النهائي) وليس الشعب. الحرس الثوري في ظل خامنئي ومجلس الخبراء مؤمنون بأن (ولاية الفقيه) يجب أن تسود، ويستفيدون حاليا من نظرة العالم لهم، يريدون الحصول على السلاح النووي، وينظر إليهم الغرب على أنهم يقاتلون (داعش)، يسيطرون على الوضع الأمني في العراق وسوريا. هل يمكن تخيل أن تقوم إيران في ظل حافظ الأسد بما تقوم به الآن في سوريا في ظل بشار الأسد».
مع سعي النظام إلى «ولاية الفقيه» فإنه يعتقد وبشكل مطلق بأن الغرب وإسرائيل وأميركا يريدون التخلص منه، حتى وأميركا تمد يدها وتقول أريد أن أعمل معكم، لا تزال طهران تعتقد بأن أميركا تريد تدمير النظام. مع كثير من الأنظمة الاستبدادية هناك دائما الخوف من الإطاحة بها في الغد. وهذا متجذر في العقل الإيراني.
أقول لسميث: «ذكرت أن مقام السيدة زينب في دمشق صار مركز تجنيد»، فيقول: «لاحقت تحركات بعض الناس الذين يذهبون إلى السيدة زينب للحج، لاحظت من يريد أن يتدرب ينفعل عندما يسمع من يقول: دافعنا عن المكان من التكفيريين. لقد صورت إيران الحرب في سوريا على أنها (الدفاع المقدس)، لهذا إذا قاتل المجندون في حلب أو اللاذقية أو درعا فإن قتالهم يبقى في إطار الدفاع عن (المكان المقدس) وليس عن بشار الأسد. ثم إذا قتلوا في أي مكان آخر ترفع صورهم كشهداء في مقام السيدة زينب».
هناك من يقول إن على أميركا أن تستعد لقتال الميليشيات الشيعية الإيرانية في العراق بعد قتالها «داعش»، ومع ذلك يعرض السفير الأميركي لدى العراق على هادي العمري قائد منظمة «بدر» أن يدعم الغارات الجوية الأميركية والجيش العراقي، واللافت أن العمري رفض. حول هذا يقول سميث إن أميركا تعاني من مشكلة حقيقية في السياسة الخارجية، تبدو وكأنها تريد أن تعطي الشرعية لامتداد إيراني، ثم نسمع أنها تريد عناصر سنّية على الأرض لمقاتلة «داعش». بشكل عام لا يدرك الأميركيون كيف تجري «الألعاب السياسية» في الشرق الأوسط، حتى المسألة السنية – الشيعية غير مفهومة في أميركا، لأن إيران تدعم أيضا الجهاد الإسلامي الفلسطيني (سنّة)، وعادت حماس (سنّة) إلى إيران وها هو محمود الزهار يهدد الدول العربية. من جهة أخرى، تحاول إيران تعميم فكرة أن الجيش العراقي انهار كليا وأن الميليشيات هي الحل الوحيد، هناك كثير من الجيش العراقي لا يحب الإيرانيين إطلاقا. يرفض الإيرانيون مواجهة أن الصورة الأوسع ليست كما يتصورونها، مصرّون على تقوية الميليشيات الشيعية التابعة لهم وإعادة بناء الجيش العراقي بالطريقة التي تناسبهم. لكن ماذا عن وزير الدفاع الأميركي الجديد؟ يقول سميث: «هناك احتمال أن يدفع بالأمور نحو اتجاه آخر، حسب ما أسمع نحتاج إلى بعض الوقت لنرى ماذا سيحدث، لكن للأسف ليس لدينا الوقت للانتظار. يستدعي الوضع قيادة مباشرة واتخاذ قرار جديد حاسم وشامل».
يرفعون «العلم الأسود» في مواجهة «ولاية الفقيه»
يرفعون «العلم الأسود» في مواجهة «ولاية...لبنان الجديد
NewLebanon
التعريفات:
مصدر:
الشرق الاوسط
|
عدد القراء:
968
مقالات ذات صلة
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro