كما استطاع الإيرانيون، ومعهم بالطبع نظام بشار الأسد، تسويق «كذبة» أن المواجهة ومنذ البدايات، إنْ في سوريا وإنْ في العراق، هي مع الإرهاب المتمثل في «داعش» و«النصرة» و«القاعدة» كذلك فإنهم حاولوا وما زالوا يحاولون تسويق «كذبة» أن هذين النظامين، أي النظام السوري والنظام الإيراني، هما اللذان يحميان الأقليات الدينية والعرقية في كلا البلدين من عنف هذه التنظيمات الإرهابية التي يصفونها زورا وبهتانا ومجافاة لكل الحقائق المؤكدة بأنها من الطائفة السنية، والمقصود وهنا تحديدا هم السنة العرب الذين أصبحوا «مكسر عصا» وفقا لمعادلة بول بريمر القائلة: إن هناك، بعد حرب 2003، منتصرا ومهزوما وإن المهزومين هم العرب السنة!!
وفي هذا المجال لعل ما لا يحتاج لا إلى براهين ولا إلى أدلة هو أن العرب السنة كانوا وما زالوا، إنْ في العراق وإنْ في سوريا، ضحية القمع الطائفي الذي يمارسه نظام بشار الأسد والذي تمارسه التنظيمات المذهبية المرتبطة بالولي الفقيه في طهران وبالميليشيات الطائفية العراقية والإيرانية والأفغانية والباكستانية.. واليمنية أيضا التابعة لما يسمى «فيلق القدس» بقيادة الجنرال قاسم سليماني الذي بات يعتبر «سوبر مان هذه المنطقة».
إنه غير صحيح على الإطلاق أن نظام بشار الأسد، الذي ثبت أنه طائفي ومذهبي حتى العظم، والدليل أن حربه ضد الشعب السوري التي بقيت متواصلة منذ مارس (آذار) عام 2011 قد بدأت حربا مذهبية ولا تزال حربا مذهبية، هو من يوفر الحماية للمسيحيين والدروز والإسماعيليين، فالمستهدفون الحقيقة إنْ في العراق وإنْ في سوريا هم السنة العرب وهذا لا يعني أنه لم تجر بعض التعديات المفتعلة المدانة والمرفوضة على المسيحيين تحديدا وإنه قد ارتكبت مذابح مرعبة ضد الإيزيديين من قبل «داعش» ومن قبل بعض التنظيمات الإرهابية الأخرى لكن ومع هذا كله فإن ما لا يستطيع أحد إنكاره هو أن من دفع الثمن غاليا ولا يزال يدفعه هم الطائفة السنية ولا غير الطائفة السنية.
إن كل المدن والبلدات والقرى التي جرى تدميرها، إنْ كليا وإنْ جزئيا، إنْ في العراق وإنْ في سوريا هي مدن سنية وإن القتلة والمجرمين هم، بالإضافة إلى جيش بشار الأسد، جيش نوري المالكي وأجهزتهما الأمنية، هم قوات «الحشد الشعبي» بقيادة هادي العامري وهم أيضا كل هذه الميليشيات الطائفية التي تم استيرادها من إيران ومن باكستان وأفغانستان والهند ومن اليمن، غير السعيد، أيضا ومنها «ذو الفقار» و«أبو فضل العباس» و«الفاطميون».. والأسماء الأخرى التي كلها أسماء مذهبية صارخة وهذا بالإضافة إلى «حزب الله» الذي بقي أمينه العام يطل على العرب والعجم عبر شاشات الفضائيات ويصرخ بأعلى صوته «إننا شيعة علي بن أبي طالب في العالم» وعلي بن أبي طالب، رضي الله عنه، بريء منه ومن حزبه وكل هذه التشكيلات، التي تتحدث ظلما وبهتانا باسم التشيع، والشيعة.
إن من يحكم في العراق وأيضا في سوريا الآن هم الإيرانيون ولكن باسم الشيعة والتشيع وبحجة حماية المراقد والمقامات المقدسة في البلدين، وإن المستهدفين منهجيا وفي كلا البلدين أيضا هم السنة العرب أولا والأكراد ثانيا، وإلا لماذا يواصل هادي العامري، رغم تنديد السيد مقتدى الصدر وتحذيرات آية الله العظمى علي السيستاني، حربه على المناطق السنية في العراق، العربية والكردية، ولماذا يتم تحشيد أكثر من ثلاثين تشكيلا مذهبيا بقيادة ضباط إيرانيين على رأسهم قاسم سليماني وإرسالها إلى حلب الشهباء تحت راية صيحة «ساعة الصفر» التي أطلقها بشار الأسد بمباركة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا الذي كان ولا يزال يسوق مؤامرة مكشوفة ومعروفة عنوانها «وقف إطلاق النار في حلب أولا»!!
والملاحظ، بل المستغرب، أن الرئيس باراك أوباما، الذي هناك مؤشرات وأدلة على أن «هواه» إيراني وأنه يعتبر أن دولة الولي الفقيه هي الرقم الرئيسي بعد إسرائيل في معادلة هذه المنطقة وأن العرب كلهم بكل دولهم مجرد أرقام ثانوية، بقي مع وجهة نظر الإيرانيين والنظام السوري القائلة: إن بقاء بشار الأسد هو ضمان الأقليات العرقية والطائفية المهددة بوجودها من قبل التنظيمات والمجموعات المتطرفة وأن الخيار، بعد ظهور «داعش»، قد أصبح «إما هو وإما هذا التنظيم الإرهابي والتنظيمات الدموية الأخرى» وبالطبع فإن هذا ليس غباء سياسيا وعمى ألوان فقط بل مؤامرة على الشعبين العراقي والسوري وعلى السنة تحديدا وعلى الأمة العربية كلها.
لكن «أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا»، إذ إن ما قاله وما أكد عليه باراك أوباما في مؤتمر مواجهة الإرهاب الذي انعقد قبل ستة أيام في واشنطن يدل على تحول قد يكون جديا بالنسبة لقناعاته السابقة، حيث كان يرفض حقيقة أن «داعش» صناعة إيرانية – سورية وذلك على غرار رفضه السابق لحقيقة أن المستهدف الفعلي في كل هذا الذي يجري في العراق وسوريا هو العرب السنة، مع عدم إنكار تعرض المسيحيين والإيزيديين والأكراد بالطبع وفي كلا البلدين لتعديات وإساءات كثيرة وكبيرة، فالرئيس الأميركي فاجأ المؤتمرين والمشاهدين في العالم كله بالتأكيد على أن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي والرئيس السوري بشار الأسد وراء ظاهرة الإرهاب في البلدين وبالطبع فإن الذين سمعوا هذا الكلام فهموا أن المقصود بالإرهاب هو تنظيم داعش تحديدا الذي من اللافت فعلا أنه لم يحاول حتى مجرد محاولة القيام بأي عمل ضد إيران!!
ما كان أوباما يصدق أو أنه كان يعرف ولكنه لم يرد أن يصدق أن نوري المالكي وبشار الأسد، ووراءهما إيران، هما من خلقا تنظيم داعش بهدف تبرير البطش بالعرب السنة وبالأكراد أيضا فالمعروف، وهذا تم التطرق له سابقا مثنى وثلاث ورباع، أن المعادلة التي وضعها بول بريمر، بعد احتلال العراق وإطاحة نظام صدام حسين، قد أقصت «الطائفة» السنية ورموزها الأساسيين إقصاء نهائيا وأنها طبقت عليهم قانون العزل بحذافيره وأنها أدت لتعريضهم إلى القتل والمطاردات والحرمان واستباحة الأعراض والأموال وهذا جعلهم يحتمون مرغمين بتنظيم داعش الذي انبثق عن «تنظيم الدولة الإسلامية في العراق» الذي كان أسسه أبو مصعب الزرقاوي وجعل عددا كبيرا من ضباط الجيش العراقي وجنوده ينضمون إلى هذا التنظيم المجرم.
إن نمو «داعش» على هذا النحو وبكل هذه السرعة سببه البطش الطائفي والمذهبي الذي تعرض له العرب السنة أولا في العراق، وثانيا بعد مارس (آذار) عام 2011 في سوريا وهنا فإن ما يثير الكثير من الأسئلة الموضوعية فعلا هو: لماذا يا ترى هذا التنظيم لم يستهدف لا نظام بشار الأسد ولا إيران على الإطلاق وأنه «صب جام غضبه» على الجيش السوري الحر وعلى المعارضة السورية «المعتدلة»، بل إن النظام السوري قد قام بتسليمه آبار النفط في الرقة ودير الزور وأنه بقي يشتري نحو ستين في المائة من البترول «الداعشي» على مدى الثلاثة أعوام الأخيرة وكل هذا وإنه، أي هذا التنظيم، لم يستهدف في العراق أساسا إلا السنة، «الصحوات»، الذين قاوموه والذين انحاز بعضهم إما للجيش العراقي وإما للقوات الأميركية.
والآن وإذ قام أوباما بهذه «التكويعة»، الانعطافة، الواعدة فإن عليه أن يستكملها بالتخلص من «كذبة» أن نظام بشار الأسد هو حامي حمى الأقليات الدينية والعرقية في سوريا وأن عدم استمراره سينتهي بسوريا، بعد حرب أهلية طويلة الأمد، إلى التقسيم والانشطار وأن عليه، أي الرئيس الأميركي، أن يدرك أن رهان الولايات المتحدة على إيران خاسر لا محالة وأن حكاية أن طهران الرقم الرئيسي في المعادلة الشرق أوسطية سيدفع في النهاية ثمنها الأميركيون غاليا.. ثم وإنه من غير الممكن القضاء على «داعش» و«القاعدة» إلا برفع الظلم والضيم عن العرب السنة.. إن الرهان يجب أن يكون على المستقبل وإن المستقبل هو العراق الديمقراطي الموحد وهو سوريا دون هذا النظام الذي أوصلها إلى كل هذه الأوضاع البائسة والمأساوية!!
بقلم: صالح القلاب