ركب حزب الله أيضا في السنوات الاخيرة موجة العصر، واستبدل راية مقارعة الاستكبار والاستعمار العالمي المتمثلين بالشيطان الأكبر “امْرِيكا” وربيبتها اسرائيل، بالراية الأكثر رواجا هذه الايام والاكثر الحاحا ايضا براية “محاربة الارهاب“، وتحولت كل ادبياته السياسية وحتى الفكرية الى هذا المنحى، بعد ان كان الحزب نفسه من اشد المعترضين على اصل هذا التصنيف عندما كان يتربع هو على رأس كل اللوائح الصادرة من الولايات المتحدة الامركية او اللوائح الاوروبية وحتى الخليجية.
صحيح انه قد حصل تحول نوعي كبير بمداليل مصطلح الارهاب وتعريفاته التي لطالما كانت محل جدل ونقاش في مختلف دوائر القرار الاقليمي والدولي، وكان التفريق والتمييز بين الارهاب وبين والمقاومة هو الشغل الشاغل لحزب الله في مراحل سابقة، الا ان تسارع الاحداث بالمنطقة فرض هذا التحول بحيث صار الارهاب مرتبطاً عضويا بالحركات الاسلامية الجهادية وفي مقدمها داعش وما لفّ لفها.
بمعنى آخر، لقد ساهمت ولادة جبهة النصرة وتنظيم داعش وقبلهما القاعدة، إلى حصر مفهوم الارهاب والى حد كبير بهم، وجعله ماركة مسجلة حصرية لهذه التنظيمات، مما سمح للحزب بالتفلت من تبعات وارهاصات واثقال هذه التهمة.
بلغ التسامح في هذا الموضوع هذا الحد، ولكن ما هو مستهجن الى حد الاتهام هو اصرار حزب الله ومن ورائه الجمهورية الاسلامية في ايران على تقديم نفسيهما كرأس حربة في معركة محاربة هذا الارهاب، متناسيين (أي ايران وحزب الله) أنّ هذه الحركات الارهابية انما تغذت ونمت وربت تحت اعتبار يكاد يكون وحيدا وهو مواجهة المد الايراني الشيعي بالمنطقة وبأن العصب المذهبي السني تحديدا هو الرافعة الاساسية لهذه الحركات بل هو الرئة التي منها تتنفس.
وهذا يعني بالضرورة ان استمرار حزب الله (الشيعي) في مشاركته بالحرب السورية تحت عنوان محاربة الارهاب هذه المرة هو بالحقيقة اهم دعم معنوي واديولوجي يمكن ان يرفد هذه الجماعات (السنية) بالكثير من العناصر المغذية لها، وان كل يوم يؤكد فيه الحزب عن استمراره بخوض المعارك والمشاركة الميدانية يمثل اكبر خدمة يمكن ان تقدم لهذه الجماعات.
ولا ادري بالحقيقة ان كانت هذه البديهة مغيبة عن تفكير الحزب، او ان الاقرار بها يحتّم عليه تبعات وخطوات هو لا يملك قرار تنفيذها مما يجعله مستغرقا في سياسة لحس المبرد حتى يقضي الايراني امرا كان مفعولا.