ﺍﺳﺘﻌﻤﻞ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻣﺎﺩﺓ "ﺛﻘﻒ" في ﻋﺪﺓ ﻣﻌﺎﻥٍ ، ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻣﻌﻨﻮﻱ ﻣﺜﻞ : ﺍلحذق، ﻭﺍﻟﻔﻄﻨﺔ، ﻭﺍﻟﺬﻛﺎﺀ، ﻭﺳﺮﻋﺔ ﺍﻟﺘﻌﻠﻢ، ﻭﺿﺒﻂ ﺍلمعرفة، ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺣﺴﻲ ﻣﺜﻞ : ﺗﻘﻮيم ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍلمعوج ، ﻭﺍﻟﺘﺴﻮﻳﺔ، ﻭﺍﻟﻈﻔﺮ ﺑﺎﻟﺸﻲﺀ ﻭﺍلحصول ﻋﻠﻴﻪ أما المعنى الاصطلاحي : ﺗﻌﺪﺩ ﺍﺟﺘﻬﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﻭﺍلمفكرين ﺣﻮﻝ ﻫﺬﺍ المصطلح ﻭﺃﻗﺮﺏ ﺗﻌﺮﻳﻒ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ ﻫﻮ: "ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻣﻘﻮﻣﺎﺕ ﺍﻷﻣﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ بتفاعلاتها في الماضي والحاضر، ﻣﻦ ﺩﻳﻦ، ﻭﻟﻐﺔ، ﻭﺗﺎﺭﻳﺦ، ﻭﺣﻀﺎﺭﺓ، ﻭﻗﻴﻢ، ﻭﺃﻫﺪﺍﻑ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻭﺍﻋﻴﺔ ﻫﺎﺩﻓﺔ مما لا شك فيه ان الثقافة بكل معانيها هي التي تسيّر الافراد والجماعات , وتؤثر في سلوكياتهم الاجتماعية والنفسية , ويتفرع عن ذلك تأثيرها في السلوكيات كافة , وعلى كافة الصُعُد , وأهم مصدر لتشكل معرفة ثقافية عند
الجماعات هو الدين والتجربة التاريخية وهنا تشترك كل التيارات الاسلامية على خلاف مشاربها من داعش مرورا بالسعودية ووصولا الى ايران , فلذلك لا ينفصل التراكم التراثي سواء كان تراثا دينيا أم كان تراثا دنيويا , عن التأثير في سلوكيات الجماعات الاسلامية المتطرفة وغيرهم من الجماعات ذات الصلة بالتراث وخاصة التي تستقي وتعتمد على تراثها التاريخي في تحديد مشاريعها الحاضرة والمستقبلية . ينبغي عندما ننظر الى سلوكيات الجماعات الاسلامية المتطرفة , أن نلتفت الى المسيّر الحقيقي لهذه الجماعات , الذي هو منظومة فكرية وثقافية متشكلة من إجتهادات بشرية عاشت في ظروف تاريخية لها لغتها وقيمها وأهدافها التاريخية , وأن مشكلة هؤلاء الجماعات هي التمسك بالتجربة
التاريخية تلك , ورفض كل ما هو مخالف لها , وإعتبار أن التجربة التاريخية هي الحقيقة المطلقة . فنحن أمام عقل تاريخي لا يعترف إلا بتجربته , وليس مستعدا لقبول اي تجربة أخرى سواء كانت تاريخية موازية له أو كانت معاصرة تشكلت بناء على التجارب التاريخية , وتطورت بشكل طبيعي بناء لتطور الاحداث والظروف المواكبة لها . فاي محاولة لعلاج الازمة الثقافية والفكرية التي تحاصرنا من كل حدب وصوب , لا تمر بعلاج الازمة التراثية التي هي سبب مباشر للأزمة المعاصرة , نكون قد أغفلنا المرض الحقيقي , وأنشغلنا بشيء آخر ليس له علاقة بالازمة , يعني هذا اننا سوف نرواح مكاننا , وبالتالي تراكم الازمة الى أزمات أخرى . فلا بد من أن نؤسس مشرحة للتراث الديني وغيره , نشرّحه تشريحا كما يشرّح الطبيب الجثة لمعرفة أسباب الوفاة , لان التجربة التاريخية التراثية قد ماتت وانتهت الى غير رجعة , ومات معها من أسسها وبناها , وولدت تجارب جديدة ناصحة الوضوح بملامستها الواقع المعاصر , ونجحت
نجاحا باهرا في حمل القضايا الانسانية ومعالجة كل احتياجات الناس , وما علينا ألا أخذها وتطبيقها , لننهض كما نهضت المجتمعات الغربية بإنسانها وعقلها , بعدما شرّحت تراثها وأبعدت تأثيره عن السلوكيات المعاصرة .